مزاجك اليوم
جدار الذل والعار
بقلم: د عوض بن محمد القرني
ما كان يخطر ببال مسلمٍ أو عربيٍّ أو عاقلٍ حرٍّ منصفٍ من أي دين أو أي عرق أن دولة عربية مركزية كدولة مصر ستقوم ببناء جدار حديد فولاذي، يفوق في قوته ومواصفاته ما يقوم ببنائه الصهاينة لحصار وقتل وخنق الشعب الفلسطيني!!!
إن هذا الجدار غير مسبوق في التاريخ في قوته وضرره وشراسته، وهو تنفيذ لرغبةٍ "إسرائيلية" وقرارٍ أمريكي؛ للقضاء على الشعب الفلسطيني في غزة؛ عقابًا له على احتضانه للمقاومة الإسلامية والوطنية، وعقابًا له وكسرًا لشوكته التي استعصت على العدوان الصهيوني الماضي، وتمهيدًا لعدوان متوقع جديد من أجل تركيع هذا الشعب وإذلاله ودفعه إلى الاستسلام.
هل يُعقل وهل يُتصور أن تقوم حكومة عربية بمد الكيان الغاصب بالغاز المصري بأسعار مخفضة لا يُباع بها في أي مكان في العالم، ولا حتى للشعب المصري المغلوب على أمره، وفي الوقت نفسه تمنع أكثر المعونات الغذائية والدوائية القادمة من أي مكان في العالم من الدخول إلى الشعب الفلسطيني المحاصر، وتُصادر أو تُترك حتى تتلف في السفن والشاحنات؟!!، بل هل من المعقول أن يُحوّل الجيش المصري العظيم إلى حارس للكيان الصهيوني الغاصب المجرم؟!! فها نحن نسمع كل يوم في الأخبار قتل جنود النظام المصري لأفارقة يحاولون دخول ما يُسمى بـ"إسرائيل"؛ بحثًا عن لقمة العيش، ولم نسمع في أي يوم أنهم قتلوا متسللاً واحدًا إلى مصر من أي جهة من حدودها، وبخاصة اليهود الصهاينة الذين يتدفقون على مصر بعشرات الآلاف كل شهر، وبالذات في العطل اليهودية للأنس والعربدة في أرض مصر العزيزة؛ لمصلحة مَنْ يتم كل هذا؟… أترك الإجابة على هذا لشعب مصر العظيم وأحراره الشامخين.
إن بناء هذا الجدار جريمة بكل المقاييس والمعايير؛ فهو جريمة بالمعيار الشرعي؛ فلا يُعقل أن يجرّم ويحرّم الشرع حبس هرة، ويدخل فاعل ذلك النار، ثم لا يجرّم ويحرّم حبس شعب مستضعف بأكمله وحرمانه من الغذاء والدواء وكل ضرورات الحياة من غير ذنبٍ ولا جريرة وقعت منه.
إن بناء هذا الجدار هو حربٌ لله ورسوله وإفساد في الأرض، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)﴾ (المائدة).
وهو جريمة أخلاقية, فلا يجوز لا عقلاً ولا خلقًا أن يحاصر شعب معتدى عليه بنسائه وأطفاله ومدنييه، ولا يجوز الوقوف مع الغاصب المعتدي الظالم؛ حتى لو كان الظالم من بني جلدتنا والمظلوم من غيرنا، فكيف والمظلوم شعبنا وبنو ديننا والخط الأول للدفاع عن سيادتنا ومصلحتنا ومستقبلنا، وهو جريمة بمعايير القانون الدولي بل جميع القوانين الأرضية؛ فهو يُصنَّف حسب القوانين الدولية المعاصرة كما ذكر الدكتور عبد الله الأشعل الخبير العالمي الشهير في القانون الدولي ووكيل وزير الخارجية المصري سابقا بأنه جريمة إبادة جماعية، ويُصنَّف بأنه جريمة ضد الإنسانية، ويُصنَّف أيضًا من جرائم الحرب.
وبالتالي فبناء هذا الجدار أو تأييده أو عدم الإنكار عليه مع الاستطاعة؛ كل ذلك حرام وجريمة يأثم من قارفها من المفسدين.
والواجب على علماء الأمة ومثقفيها وسياسييها وشعوبها وأحرار العالم في كل مكان الوقوف في وجه هذه الجريمة الشنعاء والفعلة النكراء، والسعي إلى منعها بجميع الوسائل الممكنة المشروعة، وتقديم القائمين عليها إلى المحاكمة العادلة، وهذا الواجب يتأكد ويتضاعف على الشعب المصري العظيم؛ وأُذكِّر هذا الشعب العظيم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، وأُذكِّر المسلمين في كل مكان بقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وأُذكِّر أحرار أمتنا في كل مكان بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".
اللهم إننا نبرأ إليك من هذا الجدار ومن القائمين عليه، ونعوذ بك من الرضا به أو السكوت على هذا المنكر.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(81) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)﴾ (يونس).
د.عوض محمد القرني
almaistru
هــ hawiـاوي