الفصل الأخير من المقالهـ ,,
*·~-.¸¸,.-~*كنت في غزهـ *·~-.¸¸,.-~*
-4-
وصعدت الحاجة بجنبي,
هي وحقيبتها,حاجة بسيطة ينطق الفقر من بين ملابسها
ويصرخ الحال مستغيثها بالله..
بيضاء طويله,ذات قوام ممتلئ لكنها تشي جمال في شبابها
مع قليل من الجنون وكثير من الفضول..
والحاج احمد,زوجها الختيار,رجل طويل, ممتلئ,مرح ,عصبي,شقي
وهو في هذاالعمر فمابالك في شبابه؟؟..
ماان جلست الى جانبي حتى اخرجت من حقيبتها خيار وخبز..
وقدمته لنا قائله بصوت يخبرك عن تعب وارهاق:
شكلك جعانه يابنتي خدي كولي..
وانا ياعيني,ماصدقت,التهمتها حتى كدت ان اقضم يد الحاجة لولا لطف الله..
كانت هذه اولى العلامات التي تشير الى ان ظني لم يخب بالفلسطينية..
بالرغم من الفقر لكن الكرم كان حاضراً..
وفي اثناء اكلي للخيارة والخبز اللذيذ كان ابو نور هو الاخر يقضم من الخيارة
ويتكلم الى الحاج الذي التفت بدوره الي واخبرني انتي مش فلسطينية انتي مغربة,,
بتعرفي تحكي عربي ولك؟؟؟ فابتسمت,واخبرته باني من العراق...
ابهرني كيف ان هذا الرجل وزوجته انتفضوا من مكانهم وصرخوا بصوت واحد:
الله اذا انت فلسطينية ايضا لافرق بيننا..
الله يرحم صدام حسين.. قتلوه الكلاب الخونه..
شوفي يابنتي وهذا الكلام للحاج احمد:
انتي اليوم بتتعشي عنا وبتنامي عنا وتتعرفي على اهلنا..ا
نتي منا وفينا,وايدته في ذلك زوجته التي بدأت بالربت على كتفي,
وقالتلي:انا زي امك ياحبيبتي..
وبينما كانت قلوبنا تتعانق في هذه اللحظة
حتى صدح ابو نور بصوته العالي:
ولك انتِ بنت حلال,انت وجهك وجه خير..
ضربه الحاج احمد على كتفه ونهره:
اتكلم بصوت واطي, راح يصير فيه القلب من صريخك..فضحكنا جميعاً..
تناول الحاج احمد حبة الدواء وهو يطلب من زوجته الماء..
ياحاجة فين المية؟؟ فين الميه ياحاجة؟؟ ولك ياهبلة الميه؟؟
ولانداءءءءء فبصق بحبة الدواء واستدار عليها قائلا: ارتحتي رميتها!!
ولكن هيهات ان تسمعه الحاجة فعيونها معلقة على دكان
وبما انها من ذوات الوزن الثقيل
فكانت كل حركة تقوم بها تجعلني التصق اكثر واكثر بنافذه السيارة
وادركت حينها ان لم تعد ترى,لكن فضولها قتلها..
وفعلاً صرخت بالحاج احمد صرخة زلزلت اركان السيارة:
ياااااااااااااااااااااااااااحمد,شو بدنا ندخل وايدنا فاضيه؟؟
مانوخد صندوء شيبسي؟؟؟ ياااااااااااااااااااااحمد,لاخاروف؟؟كيف يعني؟؟
بدي انزل الحين واشوف شو بالدكانة؟؟نزلني هون ولك...
ابونور والضحكة تملء فمه: ياحاجة فين رايحه؟؟
اللاصه(الطينه) بكل مكان والمطر والدكان فارغ اصلا..
الحاج احمد: اخمدي يامرة اخمدي..
وهي كقطار لم تعد جميع المحطات تهمها بشئ
ولاحتى الاصوات تردعها لا ولاالنداءات بالتعقل,
فنزلت من السيارة تتدحرج مابين الواقفين والماشين,
والحاج احمد يصرخ بابو نور: اتركها للهبلة وامشي..
وفعلا مشى ابو نور ونحن نضحك عليها لانها كانت تحاول الحاق بنا
لكن بالطبع لم تسعفها صحتها ولاعمرها العتي,
فتوقف ابو نور لتعود ثانية الحاجة الى وضعها السابق
وحديثها مع الحاج احمد..
وفجاءه وقبل بوابة صلاح الدين بقليل,
قرر الحاج احمد:
يلا انزلوا من السيارة خلص من هون راح نمشي..
ياعمي ربي يهديك يرضيك..الدنيا مطره وطينه وو..
ولايمكن,قرر الرجل الختيار قرارا لارجعة فيه..
فنزلنا جميعنا,والحاجة تمسك بكتفي والحاج احمد يمسك بذراعي,
انتي من دون العالم امانه..
اوعاكي تمشي بعيد..
وانا اضحك,كيف يعني امشي بعيد وانتوا محاوطيني؟؟؟
ومشيناااااااااااااااا ربع ساعة في المطر والوحل(لاصة)..
واقتربنا من عملاق يصحو تارة ليغفو في اماكن اخرى تارة ثانية..
انه الزينكو"الجدار الحديدي الاحمر" الذي فجره الفلسطينيون للعبور الى الضفة الاخرى..
عبرنااااااااااااا الزينكو وتراقصنا فوقهه ومن شده خوف الحاجة علي وقعت في الوحله..والحاج احمد يضحك ويقول:
احسن بتستاهل مشان تبطل تحكي.هههههههههه
شو هاي ياعمو؟؟
هي ياستي محطة بهلول,,
وهي البناية الي قدامها المكسره والمخرمة بالرصاص,
كان في ثلاث جنود اسرائليين هدموا المبنى عليهم فجروو.
وكان يتكلم بفخر واعتزاز,فأخبرته بأن النصر قريب,
فغمز لي باحدى عينيه,لارى شبابا يحملون السلاح,كانوا مميزين جدا,
ليس لانهم يحملون بنادق فقط,لكن صغر سنهم,ونظافه شكلهم ولحاهم الطويله تخبرك بانهم من"كانوا مع الوطن واليوم ضده"..فبكت قلوبنا دم بصمت,
على بلادنا التي ترزح تحت ظلم ابنائها وعلى عجز التواقين للحرية والنصر..
وفي تلك اللحظة,وانا اقف امام محطة بهلول ,
والانوار تضرب على الوجوه التعبة والقسمات
التي تنتظر حكم الاغلاق والاعدام..
إمتزجت الروح بجميع الأصوات والرؤى ,
وتعلقت العيون بأياد الفقراء تشدها للغد ولنهار آخر ينبأ بالبقاء..
ولكن ....رحلة العودة الى الوطن لم تكتمل بعد,,
واللذة لم تنطفئ في القلب,حتى هذه اللحظة..
حتى المستحيل يومها,
أضحى محض أكذوبة مهملة ومجموعة خرافات تفتقر للصدق..
فها انا امامكم عراقية في غزة كنت..
لم تمنعني رماح الأمطار ,ولا ارصفة تضج بالأقدام ,
من العبور الى معبودتي فلسطين..
بل كانت تلك اللحظة ميداني الذي علي ان انتزع النصر من عيون النار
والقيها قبس يضئ ليل الفقراء العطشى للغد والحرية والوطن..
ها انا ذا,عاشقة تعمدت من هواء فلسطين,
وبجميل نهارات غزة بروزت ذاكرتي وحياتي...
فهيا أيها الواقفون عند عتبات الإنتظار,
قبلوا هذه الاقدام فقد وطأت ارض الاحلام..
ويا غزة
يا كل فلسطين
..لنا عودة..
"فمن يمسك بجمر عشقك
لايمكن له سوى الارتواء من احضان قربك"
النهـــأيــهـ