• عزيزي العضو

    إذا كنت تواجه مشكلة في تسجيل الدخول الى عضويتك فضلا قم بطلب تغيير كلمة المرور عبر (نسيت كلمة المرور) أو التواصل معنا عبر أيقونة التواصل في الأسفل او البريد [email protected] او من خلال المحادثات على الواتساب عبر الرابط التالي https://wa.link/bluuun او مسح الباركود في الصوره

    إدارة الموقع

هكذا كُنَّا ثم قَسَت قلوبُنا

الاعضاء الذين تم تكريمهم لهذا الشهر
العضو الاكثر نشراً للمواضيع
العضو الاكثر ردوداً
الموضوع الاكثر زيارة
الموضوع الاكثر تفاعلا

جـــودي

مشرفة قسم
هكذا كنا ثم قست قلوبنا
عصام الدين أحمد كامل

هكذا كُنَّا ثم قَسَت قلوبُنا

كنت أقرأ وأتعجَّب من قول رِبْعِيِّ بن عامر لرُستمَ قائدِ الفرس، وكيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القائد الأعظم، قد بلَّغ رسالته بطريقتة الرائعة العجيبة، حتى لقد تأسَّى بها وتبنَّاها، وسعى في الحياة الدنيا على هَدْيِها كلُّ صحابته رضي الله عنهم، فيأتي اليوم الذي يقف فيه واحد من آحاد الصحابة في وجه حاكم نصف الدنيا، وهو رستم ملك الفرس؛ ليقول له في عزة وشموخ: "إن الله ابتعثنا لنُخرج مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتِها، ومن جَورِ الأديان إلى عدل الإسلام"، ووجدتني أقول في نفسي لنفسي: يا ألله! أهكذا استطاع رسول الله إيصال نفس صدقه في البلاغ لكل صحابته، حتى لَيتكلم الواحد منهم بلسانه، حتى لكأنه رسول من لدن رب العالمين، قام ليبلغ الناس نفس الرسالة التي سمِعها آنفًا من قائده الأعظم، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ يا لروعة المبلِّغ والمبلَّغ عنه! إلى هذا الحد كنا، أو هكذا كنا.


ولقد ذكَّرتني كلمة "هكذا كنا" بكلمة الصِّدِّيق رضي الله عنه وهو يقولها، يقول نفس الكلمة، فيُروى أنه لما قدِم أهل اليمن زمان أبي بكر، وسمِعوا القرآن، جعلوا يبكون، فقال أبو بكر: "هكذا كنا، ثم قست القلوب"، [رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة]، انظروا من يقول هذا، إنه الصِّدِّيق الذي كان كما قالت ابنته عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال لها وهو في مرضه الأخير: ((مُرُوا أبا بكر فليُصلِّ بالناس)) فقالت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك، لم يُسمِع الناس من كثرة البكاء.


نعود إلى موقف ربعي بن عامر رضي الله عنه، هذا الموقف الخالد، الموقف المعلِّم، يقول الرواة:

كان من حيل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قائد جيش المسلمين هو إرساله لمجموعات استكشافية من جنوده؛ لتأتيه بالأخبار، وتزوِّده بالطعام.

ولما اقترب الجيشان طلب رستمُ قائدُ الفرس من سعدٍ رضي الله عنه أن يبعث إليه رجلًا من رجاله، فاختار له سعد رضي الله عنه ربعيَّ بنَ عامر رضي الله عنه، وقبل قدوم ربعيٍّ رضي الله عنه، لجأ رستم إلى طريقة لإبهار وإغراء ربعيٍّ، فزيَّن مجالسه بالنَّمارق، وأظهَرَ اللآلئ والياقوت والأحجار الكريمة، بَيدَ أنهم فُوجِئوا برجلٍ قصير القامة، عليه ثياب صفيقة، وأسلحة متواضعة، وفرس صغير، ولم يَزَلْ ربعيٌّ رضي الله عنه راكبـًا على فرسه، حتى لقد داس بفرسه على الدِّيباج والحرير، ثم نزل عنها وربطها في قطع من الحرير مزَّقها، وأقبل على رستمَ.

• فقالوا له: ضَعْ سلاحك.
• فقال ربعي: إني لم آتِكم، وإنما دعوتموني، فإن تركتموني هكذا، وإلا رجعت.
• فقال رستم: ائذنوا له.
فأقبل رضي الله عنه يتوكَّأ على رمحه فوق النمارق، فخرَّق أكثرها.
• فقال له رستم: ما الذي جاء بكم؟

• فقال ربعي: إن الله ابتعثنا لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتِها، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبِل ذلك قبِلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نُفضِيَ إلى موعود الله.

• فقال رستم: وما موعود الله؟
• قال ربعي: الجنةُ لمن مات على قتال من أبى، والظَّفَر لمن بقِيَ.

• قال رستم: قد سمعت مقالتك، فهل لكم أن تُؤخِّروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟

• قال ربعي: نعم، كم أحب إليكم؟ يومـًا أو يومين؟

• قال رستم: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا.
• فقال له ربعي: ما سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخِّر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاثٍ، فانظر في أمرك وأمرهم، واخْتَرْ واحدة من ثلاثٍ بعد الأجل.
• قال رستم: أسيدهم أنت؟
• قال ربعي: لا، ولكِنْ المسلمون كالجسد الواحد يُجير أدناهم على أعلاهم.


فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قطُّ أعزَّ وأرجح من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا، وتَدَعَ دينك إلى هذا الكلب، أمَا ترى من ثيابه؟ فقال: ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخِفُّون بالثياب والمأكل، ويَصُونون الأحساب.
لما رأى رستم ما رأى من ربعي بن عامر رضي الله عنه، أرسل إلى سعد رضي الله عنه يطلب رجلًا آخر؛ ليرى هل هؤلاء القوم كلهم على وتيرة واحدة أم لا؟ فأرسل له سعدٌ رضي الله عنه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، لكن رستم غيَّر من لهجته، فأظهر حِدَّتَه وأبدى غضبه وثورته.

• فقال رستم أول ما قال للمغيرة: إنما مثلكم في دخول أرضنا مثل الذباب رأى العسل، فقال: من يوصلني إليه وله درهمان؟ فلما سقط عليه غرِق فيه، فجعل يطلب الخلاص، فلم يجده، فجعل يقول: من يخلِّصني وله أربعة دراهم؟ ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل جُحرًا في كَرْمٍ، فلما رآه صاحب الكرم ضعيفـًا رحِمه فتركه، فلما سمِنَ أفسد شيئـًا كثيرًا، فجاء بجيشه، واستعان عليه بغلمانه، فذهب ليُخرجه فلم يستطع لسمنه، فضربه حتى قتله، فهكذا تخرجون من بلادنا، وقد أعلم أن الذي حملكم على هذا - معشرَ العرب - الجَهدُ الذي قد أصابكم، فارجعوا عنا عامكم هذا؛ فإنكم قد شغلتمونا عن عمارة بلادنا، وعن عدوِّنا، ونحن نوفر لكم ركائبكم قمحـًا وتمرًا، ونأمر لكم بكُسوة، فارجعوا عنا عافاكم الله.

• فقال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: لا تذكر لنا جهدًا إلا وقد كنا في مثله أو أشد منه، أفضلنا في أنفسنا عيشـًا الذي يقتل ابن عمه، ويأخذ ماله فيأكله، نأكل الميتة والدم والعظام، فلم نَزَل كذلك حتى بعث الله فينا نبيـًّا صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب، فدعانا إلى الله، وإلى ما بعثه به، فصدَّقه منا مُصدِّق، وكذَّبه منا آخرُ، فقاتل مَن صدَّقه مَن كذَّبه، حتى دخلنا في دينه؛ من بين موقنٍ به، وبين مقهورٍ، حتى استبان لنا أنه صادق، وأنه رسول من عند الله، فأمرنا أن نقاتل مَن خالفنا، وأخبرنا أن من قُتِلَ منا على دينه فله الجنة، ومن عاش مَلَكَ وظهر على من خالفه، فنحن ندعوك إلى أن تؤمن بالله ورسوله، وتدخل في ديننا، فإن فعلت كانت لك بلادك، لا يدخل عليك فيها إلا من أحببتَ، وعليك الزكاة والخمس، وإن أبيتَ ذلك فالجزية، وإن أبيتَ ذلك، قاتلناك حتى يحكم الله بيننا وبينك.

• فقال له رستم: ما كنت أظنُّ أني أعيش حتى أسمع منكم هذا معشر العرب، لا أُمسي غدًا حتى أفرَغَ منكم وأقتلكم كلكم.

ويا لروعة وشجاعة وثبات رد المغيرة رضي الله عنه، أمام هذه التهديدات، وتلك الإغراءات! لقد قابل تهديداته بالاستهزاء، وإغراءاته بالإعراض، ولم ينسَ أن يعرِض على رستم دعوةَ الله، وما وصانا به قائدنا الأعلى صلى الله عليه وسلم، أن يُسلِمَ فيُسلم هو وقومه، ويدفع الجزية وهو صاغر، لكنه أصرَّ وظلَّ على عناده واستكباره، فكان جزاؤه أن أهلك قومه، واندحر جيشه، وكان جزاؤه القتل، وكان ذلك على يد هلال بن علفـة التيمي.
فتى الجنوب ,أبو مشاري ,كايد الجرح و 4 آخرون معجبون بهذا
 
عودة
أعلى