جـــودي
مشرفة قسم
المسلم بين عمل الجوارح وغفلة القلوب.
الأفول الكواكب فالشمس تشرق وتغرب والقمر يظهر ويختفي، والنجوم المسخرة تقترب وتبتعد، أما الشهود الإلاهي على الحياة والأحياء فلا يغيب أبدا!! وكيف يغيب شيء عن الحي القيوم ومنه صدر به ويبقى؟ إنه لو لا إمداد الله للقلب ما استمر نبضه، ولو لا إمداد الله للرئتين ما اتصل الشهيق والزفير! إنّ المخلوق لا يبتعد عن الخالق ولا يستغني عنه ولا يفلت من رقابته وعندما يحشر الناس يوم اللقاء الأعظم ليسألوا عما قدموا يقول الله
(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) (الأعراف/ 7).
وقد تنوعت أساليب القرآن الكريم في توضيح الشهود الإلاهي الدائم حتى تصح مراقبة الإنسان لله ويحسن الامتثال لأمره ونهيه، ففي المجالس صغيرها وكبيرها يقول تعالى: (.. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا...) (المجادلة/ 7).
وفي الأحداث جليلها ودقيقها يصور هذا الحضور الإلهي الشامل بقوله عز شأنه (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد/ 4).
فأين المفر ممن هو بكل شيء بصير وبكل شيء محيط؟ أغريب أن يطالب الإنسان بمراقبة الله ورهبته، أو الاستحياء منه وتقدير نعمته؟. إنّ التربية الدينية قامت – في الإسلام – على الشعور بهذه الحقيقة، وتظاهرت شتى العبادات على توكيدها ومدّ رواقها، ويوم تكون العبادات حركات جسد لاوعي معه فقد فاضت روحها وانمحى أثرها وتحولت الأمة إلى ممثلين لا يرفعون رأساً ولا يطيبون نفساً.
وأعتقد أنّ انهيار الحضارة الإسلامية في العصور الأخيرة جاء من الاهتمام بأعمال الجوارح والغفلة عن أعمال القلوب.
وقد رأيت أناساً كثيرين يعبدون أنفسهم تحت ستار من عبادة الله أو ترك الذنوب الظاهرة!. وعندما اقتحم الاستعمار حدودنا وجاس خلال ديارنا اجتهد أن ينسى الناس ربهم وأن لا يراقبوه في سر وعلن واستوثق من هذا الطمس! ووضع سياسة ثقافية لاستدامته! ثم منح العرب استقلالاً مشروطاً ببقاء هذه السياسة! فلما ملكوا حرية العمل صنعوا بأنفسهم الدواهي، وارتكبوا في بلادهم ما لا يرتكبه "المغول" ولا "الصليبيون"، وعندما خرجوا من أوطانهم سائحين أخذوا يبحثون عن ملذات جديدة!!. كأنه لم يكفهم ما ألفوا من ملذات.. والعلاج الصحيح لهذه المحنة يبدأ من القلب لا من الأطراف.
إنّ القلب المعمور بالله ينطلق إلى الصواب وينساق إلى الحقّ ولا يصدر عنه إلا ما ينفع البلاد والعباد، ولأمر ما أشار الرسول إلى صدره ثم قال: التقوى ها هنا ثلاث مرات...! ثم إنّ الإيمان باليوم الآخر ركن ركين في الفلاح، وهذا معنى مفقود في الحضارة الحديثة، فالقارات الخمس في ظل هذه الحضارة تستيقظ من منامها كي توفر الطعام ليومها، ولا تدري عن ربها ولقائه شيئاً، أما قوله تعالى: (.. اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ...) (الحشر/18)،
فغيبيات مرفوضة ومثله قول المؤمن إذا أصبح "الحمد لله الذي ردّ إلى روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره". إنّ مدنية العصر نسيت النبوات كلها واتخذت إلهها وهواها، وتراث "محمد" وحده هو الذي ينعشها من غيبوبتها، ويرد إليها عقلها ويحملها على العدل والعفة والاستقامة. في حديث جبريل الذي نزل يعلم الناس دينهم جاء هذا الحوار: "ما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
والسؤال وجوابه يرجعان بنا إلى قضية المراقبة التي صدرنا بها هذا الكلام. إنّ طاقتنا الحسية والعقلية ضئيلة جداً، ويستحيل أن نبصر ذات الله، ولقد صعق موسى من قبل أن يظفر بهذه الأمنية! من أين للمحدود أن يرى المطلق؟ حسبنا في هذه الدنيا أن نرى آياته ونبصر دلائل عظمته ولذلك يقول تعالى في الأهل الجالسين حول المحتضر:؟ "فلو لا إذا بلغت الحلقوم" (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الواقعة/ 84-87).
والحرص على مقام الإحسان يجعلنا نجتهد في الإحساس بالحضور الإلاهي والرقابة المحيطة والهيمنة الشاملة، إنه تبارك وتعالى مستوٍ على عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ويعرف ما نفعل وما نترك، (.. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الشورى/ 11-12).
الأفول الكواكب فالشمس تشرق وتغرب والقمر يظهر ويختفي، والنجوم المسخرة تقترب وتبتعد، أما الشهود الإلاهي على الحياة والأحياء فلا يغيب أبدا!! وكيف يغيب شيء عن الحي القيوم ومنه صدر به ويبقى؟ إنه لو لا إمداد الله للقلب ما استمر نبضه، ولو لا إمداد الله للرئتين ما اتصل الشهيق والزفير! إنّ المخلوق لا يبتعد عن الخالق ولا يستغني عنه ولا يفلت من رقابته وعندما يحشر الناس يوم اللقاء الأعظم ليسألوا عما قدموا يقول الله
(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) (الأعراف/ 7).
وقد تنوعت أساليب القرآن الكريم في توضيح الشهود الإلاهي الدائم حتى تصح مراقبة الإنسان لله ويحسن الامتثال لأمره ونهيه، ففي المجالس صغيرها وكبيرها يقول تعالى: (.. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا...) (المجادلة/ 7).
وفي الأحداث جليلها ودقيقها يصور هذا الحضور الإلهي الشامل بقوله عز شأنه (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد/ 4).
فأين المفر ممن هو بكل شيء بصير وبكل شيء محيط؟ أغريب أن يطالب الإنسان بمراقبة الله ورهبته، أو الاستحياء منه وتقدير نعمته؟. إنّ التربية الدينية قامت – في الإسلام – على الشعور بهذه الحقيقة، وتظاهرت شتى العبادات على توكيدها ومدّ رواقها، ويوم تكون العبادات حركات جسد لاوعي معه فقد فاضت روحها وانمحى أثرها وتحولت الأمة إلى ممثلين لا يرفعون رأساً ولا يطيبون نفساً.
وأعتقد أنّ انهيار الحضارة الإسلامية في العصور الأخيرة جاء من الاهتمام بأعمال الجوارح والغفلة عن أعمال القلوب.
وقد رأيت أناساً كثيرين يعبدون أنفسهم تحت ستار من عبادة الله أو ترك الذنوب الظاهرة!. وعندما اقتحم الاستعمار حدودنا وجاس خلال ديارنا اجتهد أن ينسى الناس ربهم وأن لا يراقبوه في سر وعلن واستوثق من هذا الطمس! ووضع سياسة ثقافية لاستدامته! ثم منح العرب استقلالاً مشروطاً ببقاء هذه السياسة! فلما ملكوا حرية العمل صنعوا بأنفسهم الدواهي، وارتكبوا في بلادهم ما لا يرتكبه "المغول" ولا "الصليبيون"، وعندما خرجوا من أوطانهم سائحين أخذوا يبحثون عن ملذات جديدة!!. كأنه لم يكفهم ما ألفوا من ملذات.. والعلاج الصحيح لهذه المحنة يبدأ من القلب لا من الأطراف.
إنّ القلب المعمور بالله ينطلق إلى الصواب وينساق إلى الحقّ ولا يصدر عنه إلا ما ينفع البلاد والعباد، ولأمر ما أشار الرسول إلى صدره ثم قال: التقوى ها هنا ثلاث مرات...! ثم إنّ الإيمان باليوم الآخر ركن ركين في الفلاح، وهذا معنى مفقود في الحضارة الحديثة، فالقارات الخمس في ظل هذه الحضارة تستيقظ من منامها كي توفر الطعام ليومها، ولا تدري عن ربها ولقائه شيئاً، أما قوله تعالى: (.. اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ...) (الحشر/18)،
فغيبيات مرفوضة ومثله قول المؤمن إذا أصبح "الحمد لله الذي ردّ إلى روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره". إنّ مدنية العصر نسيت النبوات كلها واتخذت إلهها وهواها، وتراث "محمد" وحده هو الذي ينعشها من غيبوبتها، ويرد إليها عقلها ويحملها على العدل والعفة والاستقامة. في حديث جبريل الذي نزل يعلم الناس دينهم جاء هذا الحوار: "ما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
والسؤال وجوابه يرجعان بنا إلى قضية المراقبة التي صدرنا بها هذا الكلام. إنّ طاقتنا الحسية والعقلية ضئيلة جداً، ويستحيل أن نبصر ذات الله، ولقد صعق موسى من قبل أن يظفر بهذه الأمنية! من أين للمحدود أن يرى المطلق؟ حسبنا في هذه الدنيا أن نرى آياته ونبصر دلائل عظمته ولذلك يقول تعالى في الأهل الجالسين حول المحتضر:؟ "فلو لا إذا بلغت الحلقوم" (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الواقعة/ 84-87).
والحرص على مقام الإحسان يجعلنا نجتهد في الإحساس بالحضور الإلاهي والرقابة المحيطة والهيمنة الشاملة، إنه تبارك وتعالى مستوٍ على عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ويعرف ما نفعل وما نترك، (.. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الشورى/ 11-12).