• عزيزي العضو

    إذا كنت تواجه مشكلة في تسجيل الدخول الى عضويتك فضلا قم بطلب تغيير كلمة المرور عبر (نسيت كلمة المرور) أو التواصل معنا عبر أيقونة التواصل في الأسفل او البريد [email protected] او من خلال المحادثات على الواتساب عبر الرابط التالي https://wa.link/bluuun او مسح الباركود في الصوره

    إدارة الموقع

الأدب مع الله تعالى

الاعضاء الذين تم تكريمهم لهذا الشهر
العضو الاكثر نشراً للمواضيع
العضو الاكثر ردوداً
الموضوع الاكثر زيارة
الموضوع الاكثر تفاعلا

جـــودي

مشرفة قسم
من الله تعالى على هذه الأمة ببعثة النبي الكريم
عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم كما قال سبحانه :

{ َلقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ

مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } ( آل عمران :164)
وأوجز نبينا عليه الصلاة والسلام بعثته بقوله : إنما بُعثت لأتمم

مكارم الأخلاق وفي رواية : صالح الأخلاق (رواه البخاري)
فكان في شرعه ودينه من الآداب وأسرارها وضوابطها
ما يغني العباد عما سواه من الشرائع والثقافات والحضارات
ولا عجب في ذلك فهي نورٌ مُنبَعث من مشكاة النبوة

{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }( النجم : 3-4 )
والأدب : هو اجتماع خصال الخير في العبد ومنه المأدبة :

وهي الطعام الذي يجتمع عليه الناس
وعلم الأدب : هو إصلاح اللسان والخطاب وإصابة مواقعه

وتحسين ألفاظه وصيانته من الخطأ والخلل
وهو شعبة من الأدب العام (1)
فالأدبُ هو الدين كله ، والشريعة بأسرها

أنواع الأدب
الأدب أنواع ثلاثة أعظمها: الأدب مع الله تعالى

ثم الأدب مع رسوله صلى الله علية وسلم وشرعه
ثم مع الخلق وسئل الحسن البصري عن أنفع الأدب
فقال: التفقه في الدين والزهد في الدنيا والمعرفة بما لله عليك
وقال ابن المبارك رحمه الله: من تهاون بالأدب عوقب بحرمان

السُّنن ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض
ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة
وقال بعض السلف : إلزم الأدب ظاهراً وباطناً فما أساء

أحد الأدب في الظاهر إلا عُوقبَ ظاهرا وما أساء أحدٌ الأدب
باطناً إلا عوقب باطناً.
وقال أبو عثمان: إذا صحَّت المحبة تأكدت على المحب

ملازمة الأدب أما أهل الدنيا فأكبر آدابهم في الفصاحة
والبلاغة وحفظ العلوم والأسمار والأشعار ؟
أما الأدب مع الله تعالى فهو ثلاثة أنواع (2)

أحدها: صيانة معاملته أن يشوبها بنقيصة
الثاني: صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره

الثالث: صيانة إرادته أن تتعلق بما يمقتك عليه
قال يحي بن معاذ : من تأدب بأدب الله تعالى صار

من أهل محبة الله .
وقال ابن المبارك : نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا

إلى كثيرٍ من العلم وأعظم الناس أدباً مع ربهم سبحانه
هم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .
قال الإمام المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى :

وتأمل أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله
وخطابهم وسؤالهم كيف تجدها كلها مشحونة بالأدب قائمة به
أدب المسيح عليه السلام مع ربه عز وجل
قال المسيح عليه السلام
{ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}( المائدة: 116)

ولم يقل لم أقله وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب
ثم أحال الأمر إلى علمه سبحانه بالحال وسره
فقال { َتعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي}
ثم برأ نفسه عن علمه بغيب ربه وما يختص به سبحانه

فقال { وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ثم أثنى على ربه ووصفه بتفرده
بعلم الغيوب كلها فقال{ إنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} ثم نفى أن يكون
قال لهم غير ما أمره ربه به وهو محض التوحيد فقال
{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ }
ثم أخبر عن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم وأنه بعد وفاته
لا اطلاع له عليهم وأن الله عز وجل وحده هو المنفرد بعد الوفاة
بالاطلاع عليهم فقال { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } ثم وصفه بأن شهادته
سبحانه فوق كل شهادة وأعم فقال { وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
ثم قال
{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} وهذا من أبلغ الأدب مع الله

في مثل هذا المقام أي: شأن السيد رحمة عبيده والإحسان إليهم
وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيداً لغيرك فإذا عذبتهم مع كونهم عبيدك
فلولا أنهم عبيدُ سوءٍ من أنجس العبيد وأعتاهم على سيدهم
وأعصاهم له لم تعذبهم لأن قربة العبودية تستدعي أحسان السيد
إلى عبده ورحمته فلماذا يعذب أرحم الراحمين وأجود الأجودين
وأعظم المحسنين إحساناً عبيده لولا فرط عُتُوِّهم وإباؤهم
عن طاعته وكمال استحقاقهم للعذاب.
وقد تقدم قوله
{ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ } أي : هم عبادك

وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم فإذا عذبتهم : عذبتهم على
علم منك بما تعذبهم عليه فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه
واكتسبوه فليس في هذا استعطاف لهم كما يظنه الجهال
ولا تفويض إلى محض المشيئة والملك المجرد عن الحكمة

كما تظنه القدرية وإنما هو إقرار واعتراف وثناء عليه سبحانه
بحكمته وعدله وكمال علمه بحالهم واستحقاقهم للعذاب.
ثم قال
{ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}{ المائدة: 118}

ولم يقل { الغفور الرحيم} وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالـى
فإنه قاله في وقت غضب الرب عليهم والأمر بهم إلى النار
فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة بل مقام براءة منهم
فلو قال { فإنك أنت الغفور الرحيم } لأشعر باستعطافه
رَبَّه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم فالمقام مقام
موافقة للرب في غضبه على مَنْ غضب الرب عليهم فَعَدل
عن ذكر الصفتين اللتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته
إلى ذكر العزة والحكمة المتضمنتين لكمال القدرة وكمال العلم
والمعنى: إن غفرت لهم فمغفرتك تكون عن كمال القدرة والعلم

ليست عن عجز عن الانتقام منهم ولا عن خفاء عليك بمقدار
جرائمهم وهذا لأن العبد قد يغفر لغيره لعجزه عن الانتقام منه
ولجهله بمقدار إساءته إليه والكمال: هو مغفرة القادر العالم
وهو العزيز الحكيم وكان ذكر هاتين الصفتين في هذا المقام
عين الأدب في الخطاب.
ولهذا يقترن كل من هاتين الصفتين في هذا المقام بالأخرى

كقوله { والله عليم حليم } وقوله { وكان الله عفواً قديراً }
أدب إبراهيم عليه السلام
وكذلك قول إبراهيم الخليل ﷺ { الشعراء: 78 – 80}

{ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) } ولم يقل { وإذا أمرضني } حفظاً للأدب مع الله.
أدب الخضر عليه السلام
وكذلك قول الخضر عليه السلام في السفينة { الكهف:79 }

{ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } ولم يقل { فأراد ربك أن أعيبها}
وقال في الغلامين { الكهف:82 } { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا }
وكذلك قول مؤمني الجن {الجن:10 }
{ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن

فِي الْأَرْضِ } ولم يقولوا { أراده ربهم} ثم قالوا { أَمْ أَرَادَ رَبِهِمْ رَشَداً}
وألطف من هذا قول موسى عليه السلام
{ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ

إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} {القصص: 24 } ولم يقل : { أطعمني }
وقول آدم عليه السلام {الأعراف: 23 }
{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا

وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ولم يقل
{ رب قدرت علىَّ وقضيت عليَّ }
وقول أيوب عليه السلام { الأنبياء:83 }
{ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }

ولم يقل { فعافني واشفني } وقول يوسف لأبيه وإخوته{ يوسف:100}
{ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ }
ولم يقل { أخرجني من الجب } حفظاً للأدب مع إخوته وتَفَتِّيا عليهم أن لا يخجلهم بما جرى في الجب
وقال
{ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ } ولم يقل {رفع عنكم جهد الجوع والحاجة } أدباً معهم وأضاف ما جرى

إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر الذي هو أقرب إليه منه فقال { ِمن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي }
فأعطى الفُتوَّة والكرم والأدب حقه وهذا لم يكن كمال
هذا الخُلُق إلا للرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
ومن هذا أمر النبي صلى الله علية وسلم الرجل : أن يستر عورته

وإن كان خالياً لا يراه أحد أدبا مع الله على حسب القرب منه
وتعظيمه وإجلاله وشدة الحياء منه ومعرفة وقاره
وقال بعضهم: الزم الأدب ظاهرا وباطناً فما أساء أحد الأدب

في الظاهر إلا عوقب ظاهراً ، وما أساء أحد الأدب باطناً
إلا عوقب باطناً وقيل : الأدب في العمل علامة قبول العمل
قال الإمام ابن القيم : وحقيقة الأدب استعمال الخلق الجميل

ولهذا كان الأدب: استخراج ما في الطبيعة من الكمال من القوة إلى الفعل
فإن الله سبحانه هيأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه

من الأهلية والاستعداد التي جعلها فيه كامنة كالنار في الزناد
فألهمه ومكنَّه وعرفه وأرشده وأرسل إليه رسله، وأنزل إليه كتبه لاستخراج
تلك القوة التي أهله بها لكماله إلى الفعل .
قال الله تعالى: {
الشمس 7 -10 } { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)

فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ
مَن دَسَّاهَا (10)} فعبر عن خلق النفس بالتسوية والدلالة
على الاعتدال والتمام ثم أخبر عن قبولها للفجور والتقوى
وأن ذلك نالها منه امتحاناً واختباراً ثم خص بالفلاح من زكاها
فنَّماها وعَلاَّها ورفعها بآدابه التي أدب بها رسله وأنبيائه وأوليائه
وهي التقوى ثم حكم بالشقاء على من دساها فأخفاها وحقرها وصغرها وقمعها بالفجور
1- انظر إعلام الموقعين (2 / 376 ) فتح الباري كتاب الأدب
( 10 / 400 )
2- مدارج السالكين ( 2 / 376 )
محمد الحمود النجدي
 
عودة
أعلى