●¦ دَمعْــٍہ وفْــآ ¦●
عضو نشيط
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساؤٌكمـ كما تشتهون يأ أعضاء شموخ الإبداع ها أنا عٌدت من جديد للكتابة في مجال القصة ..
بأسلوب ربما يكون مٌختلف وربما لا.. وبفكرةٍ جديدة بلا شك عموماً القصة التي سيتم طرحها الآن كتبتها بصيـف 2008 ولم أطرحها إلا هٌنا ..
في صيف 2008 كانت هناك مسابقة أدبيه "بجريدة الوسط"بجائزةٍ مغرية ايضاً وقدرها 1000 دينار المسابقة كان بها عدة بنود وشروط ومسموح بجميع المستويات العلمية والثقافية التي تمتلك خبرة في مجال الادب المشاركة فيها وكانت المسابقة تتضمن كتابة قصة او مشاركة بمسرحية ..او كتابة خاطرة شعر للبحرين عموماً قصتي هذه كان يٌفترض بها أنّ تكون مشاركة المسابقة ولكن للأسف بعد ان كتبت القصة فضلت ان اكون ناقدة ادبية من لجنة الحكم على ان اكون كاتبة ومشاركة في المسابقة الادبية بالجريدة على كٌلٍ عندما كٌنت افكر بالمشاركة ككاتبة كٌنت افكر في كتابة قصة من نوع مختلف على ان اكتب خاطرة او شعر قصة تكون مميزة ففكرت في الكتابة عن المكفوفين وحاولت أنّ أتقمص الشخصية بقدر المستطاع ..
القصة لم أراجعها احبتتٌ ترك هذا الامر لكٌم أنتم اخواني اخواتي.. سأرحب بالنقد من جميع النواحي.. وتأكدوا بأنني أرحب بنقدكم وتشجيعكٌم ايضاً لا لمجاملاتكٌم احبائي..!
لن أطيل عليكٌم كثيراً سأترٌككٌم مع القصة ..
.: الجزء الاول :.
جلست على الشاطئ .. أنظر نحو المجهول , غير مكترثة بالرمال الرطبة التي تلوث عباءتي , تُحدثني و أنا شاردة الذهن ، فالجسد هنا و العقل أختطفته الذكريات إلى زمن غير الزمن .. أشعر بالنسيم يلاعب شعيراتٍ تسللت من تحت حجابي فأخذت تدغدغ وجهي ، أدخلتها تحت الحجاب بأصابعٍ مرتجفة و بسمة عقيمة ترتسم على شفتيّ الذابلتين , كانت قريبتي تقف على مقربة مني تحثني على الرحيل ..
" الجو بارد هنا .. و الوقت قد تأخر .. يجدر بنا الرحيل "
شيءٌ في هذا المكان يُشعرني بالراحة , و كأن الأثير يعزف في أُذنيّ أنغاماً موسيقية رائعة تشاركه العزف الأمواج الهادئة و هي تتراقص بإنسابية , فيشكلان معاً سمفونية مذهلة ..
" للتو أتينا , دعيني قليلاً بعد "
شعرت بها تبتعد , فلم أحرك ساكناً .. تشدني سحابة الذكرى لأحلق معها بجناحين مكسورين متكئة على أمل مخنوق و رجاء خائب , فأخذتني هذه السحابة لساعة ولادتي ، هناك حيث كانت صرخات أمي .. ألمها .. و أدمعي ! وُلِدتُ طفلة جميلة , صغيرة الأطراف , ناعمة الملامح بعينين حالمتين , يتوج رأسي شعر أخذ من سواد الليل لونه , و من زغب الريش نعومته , و من السحاب الشتوي كثافته , فكأن بوجهي قمراً أخترق الظلمات بنوره .. تتلاقفني الأيدي المشتاقة لمرأى الأطفال الملكوتي , ببشرتهم البيضاء الحليبية و شفاههم الندية المشروربة بحمرة خوخية محببة , تُطبع على خديّ قُبلاتٌ حارة تكسوها الشفقة و الأسى , تنتقص من فرحة أمي إني وُلِدتُ عمياء .. ضريرة .. مخطوفة البصر .. تُلملِمُ أدمعها و تُبقيها جبراً في محاجر العين , تبتلع الغصص و تُبدي فرحة كسيرة , تبدو في تحركاتها الهادئة سكينة المرأة المؤمنة بالقدر و الأم الحنون المحبة لوليدها .. سُميتُ " منال " و كان الأجدر أن أُسمى " أملٌ مستحيل " كبرت و كبرت معي مداركي .. فكان أول ما أدركته هو أنني وِلدتُ ناقصة .. لا أدري كيف أبدو .. أو كيف هم الناس حولي .. خطواتي الأولى كانت معجرة تراقصت لها القلوب فرِحة .. أخطو خطواتي بحذرٍ دفين مستهديةً بنور البصيرة و بقية الحواس .. تطوقني أمي بدرع حماية و اهتمام مميز .. فكأني بِها العين التي أستدل بها و الجسر الذي يُصيِّر بي إلى عالم أأمَنُ فيه الظلمات التي تأسرني ..
كبرتُ قليلاً لأخرج إلى عالم أوسع من ذاك الذي عرفته .. أشخاصٌ جُدد , أصواتٌ غريبة , أُبعِدتُ عن السياج الواقي الذي تحوطني به أمي فشعرت بالخوف من الجديد المجهول .. أسمع أصوات الأطفال حولي يتراكضون كفراشاتٍ حرة ، بينما وقفت أنا أحتضن ثوبي خائفة كقطة يتيمة ..حتى خطوت بضع خطوات فأهتديت إلى جدار قريب فأنزويت في زاويته كيرقة تأخرت في النمو عن خليلاتها .. كَرِهتُ ذلك المكان الذي أُخِذتُ إليه ,و عندما حضرت أمي لتعيدني إلى المنزل انطلقت كالهائمة على وجهها أبحث عن الحضن الدافئ الذي خُيِّل لي أني قد فقدته .. سمعت صوتها ينطق بأسمي فأرتميت نحوها ألتمس في صدرها الدفء و الأمان .. و عندما أطمئننتُ إلى وجودها قربي , أفصحت عن ينابيع من الدموع المكبوتة ..
" أمي .. أنا أكره هذا المكان , لا أريد المجيء إلى هُنا غداً , لا أُريد المجيء إلى هُنا أبداً "
" و لكن حبيبتي هُنا يأتي جميع الأطفال في مثل سنكِ ليلعبون معاً "
صمتُّ و العين مني ذابلةٌ دامِعة .. مكسورة الخاطر , القلب حُطام مُبعثر و لسان حالي يقول :
" لستُ مثلهم .. أنا مختلفة ! "
طوقتني أمي بذراعيها حتى توقفت عن البكاء , ثُم أخذتني إلى المنزل , فلم آكل أي شيء طوال اليوم و لم أتحدث مع أي أحد , بل و آثرتُ العزلة في غرفتي , و أنا أُفكر في ما لو أخذوني إلى هذا المكان مجدداً غداً , ماذا سأفعل ؟ و كيف سأتصرف ؟ بللت الوسادة بأدمعي , فأخذ التعب مني كل مأخذ و استسلمت لنوم عميق .. و عندما أستيقظت وجدت عصافير بطني تزقزق طالبةّ شيئاً من الطعام .. فغادرت فراشي و ذلفتُ قاصدةً المطبخ أتحسس الجدران لإيجاد طريقي , عندما أستوقفتني أصواتٌ صادرة من غرفة المعيشة , اقتربت من المكان متخفية بالجدران عن أعين المتحدثين .. فتبادر إلى مسمعي صوت أمي تتحدث بلهجة استياء ..
" يجب أن نعيد النظر في موضوع الروضة هذا , يبدو أن طفلتنا ليست مستعدة بعد "
فأجابها أبي ببحة صوته المعهودة :
" يجب أن تتعلم كيف تتصرف لوحدها , يوجد الكثير لتختبره بعد , فدون ذلك لن تقوى على مواجهة الحياة .. "
عمّ الصمتُ المكان , و لم تنطق أمي بكلمة , فأردف أبي ..
" أفتحي القفص الذي سمحتِ لها بالإحتماء فيه و أتركيها لتنطلق .. الطير يسقط عدة مرات قبل أن يتعلم الطيران "
عُدتُ إلى غرفتي و قد نسيت أو تناسيت جوعي , و كأن بهم بهذا القرار قد حكموا عليّ بالعذاب المؤبد , نزلت تحت الغطاء و أنا أشعر بالظلم و الحزن معاً .. و في صباح اليوم التالي أتت أمي توقظني لأرتدي ملابس السجن الذي سيضمني طوال هذا العام , و هكذا مرّت الأيام و السنين بسرعة و أنا أكبُّر و أتنقل بين مدارس خاصة لمن هم في مثل حالتي , تعلمت الكتابة ، و تعلمت القراءة من كتب خاصة و تعرفت على أشخاصٌ كُثُر وُلِدوا فاقدين البصر أو فقدوه إثر حادث ما .! رغم ذلك كنت أشعر بالنقص .. فكنت استيقظ كل يوم و أنا أشعر بأن بزوغ شمس جديدة ما هو إلا أسلوبٌ مميز من أساليب التعذيب التي تتقصد الحياة تسليطها عليّ , فكم سئِمت الإستيقاظ صباح كل يوم فأكتشِف إنني ما زلتُ حية .. في حين تستيقظ فتيات جيلي باسمات الثغر ، متفائلاتٌ بيوم مميز ، تنير أركانه خيوط الشمس الذهبية ..
تتناهى إلى مسمعي أصوات الأمواج تهوج تارة و تهدأ أُخرى , بين مد و جزر , بين جيئة و ذهاب .. و هي تبلل أطراف العباءة و تبللني و كأنها تغسل مني الهموم و تُغرقها في عمق البحر فتعود ببرودتها تلمسني لتعيدني إلى واقعي المرير .. فنفضتُ عني غبار الذكريات و أتربة الشاطئ الرطبة و قبل أن أنصرف سألت قريبتي ..
" غيداء , كيف هو المنظر أمامنا ؟ "
صمتت طويلاً حتى ظننت لوهلة إنها قد ذهبت و تركتني ها هنا وحدي ..
" غيداء ؟ "
" قبل قليل أبتلع البحر دائرة الشمس البرتقالية المحمرة ، فتلاشت في الأفق البعيد وانقشعت تلك الحمرة الدامية عن وجه البحر و حلّ مكانها سواد دامس يقيم على سطح البحر و يأسره حتى الأعماق .. فلكِ أن تتخيلي لونه ، و هو اللون الذي يرافقكِ منذ الولادة ..! أما الأثير فهو يعاكس البحر و يداعب سطحه فتتمايل الأمواج بهدوء و سكينة "
" ما دام كل ما ترينه سواد ، الأجدر بنا أن ننصرف ، فلهذا اللون معي حكايات ، بل روايات .. مفاتيحها الدموع و خواتيمها الحبس المؤبد في كتائب الظلام "
أستجابت لي غيداء بأن وضعت يدها بيدي و سارت بي نحو السيارة , لنعود للمنزل .. و بينما نحن في طريقنا شعرت بأن الطريق غير الطريق الذي عهدته .. فالمنعطفات المتقاربة و الممرات الضيقة في حينا السكني صارت طريق طويل و دوارات متباعدة ..
" إلى أين نحن ذاهبتان ؟ "
" ستعرفين بعد قليل .. أقتربنا "
دارت في رأسي تساؤلات و لكنني قررت أن انتظر لاكتشف بنفسي .. و عندما وصلنا إلى المكان المقصود ترجلنا من السيارة و سِرنا خطوات قبل أن تنبهني غيداء إلى وجود عتبات سلم أمامنا .. فصعدته بحذر ، ثم توقفت غيداء عن السير و وقفت معها .. ففتحت لنا الباب فتاةٌ عرفت من صوتها و هي ترحب بنا بحفاوة و لباقة شديدة إنها ما بين الخامسة عشر و السابعة عشرة من عمرها .. اصطحبتنا إلى غرفةٍ قريبة من المدخل ثم أستأذنتنا للإنصراف .. و ما هي إلا دقائق معدودات و إذا بسيدة ثلاثينية أو قد تكون في العقد الرابع من عمرها تدخل الغرفة و هي ترحب بنا بالحفاوة ذاتها , صافحتني و طبعت قبلة خفيفة على خدي ثم جلست قربي .. بينما أنا مشدوهةٌ حائِرة , من هذه السيدة ؟ و لمّ نحنُ هُنا ؟ و كأن بعلاماتِ إستفهام أرتسمت على وجهي و لحظتها السيدة الجالسة بقربي فتحدثت لتنتشلني من حيرتي دون مقدمات ..
" أنا أُدعى وِداد , حدثتني عنكِ غيداء كثيراً .. فعرفت مِنها إنكِ قد أكملتِ العام الماضي دراستكِ الثانوية , و لكنكِ لم تلتحقي بعد بأي جامعة .. و عندما تساءلت عن السبب ذكرت لي بعضٌ من أسبابك ، و التي هي بنظري أسبابٌ واهية ، لهذا طلبت منها أن تأتي بكِ إلى هُنا لربما أقنعتكِ بوجهة نظري "
" أشكر اهتمامكِ سيدة وداد , و لكنكِ لن تجدي طائل من الحديث معي في هذا الأمر .. فكيف لي أن أسمح لنفسي بالدخول و السير في حديقة غنية بالثمار و أنا لا أطال ثمارها .. اكتفيت من الشعور بالعجز .. هكذا سأبقى في أمان من الشعور بالشفقة على نفسي .. و سأأمن شفقة الآخرين أيضاً.. فما من شعور أسوأ من الشعور بالشفقة "
و كأن كلامي قد أثار حفيظتها .. فنهرتني ناصحة بنبرة شديدة ..
" هذا يُسمى هروب .. لكي تتخلصي من شعوركِ بالعجز عليكِ أن تواجهي .. و تكوني قوية .. لا أن تختبئي خلف جُدرانٍ سراب .. سوف تضطرين يوماً للمواجهة و سُتدركين إنكِ ضعيفة "
" فعلاً أنا ضعيفة .. فكيف تريدينني أن أواجه ؟ بل بماذا أواجه ؟ هكذا شاءت الأقدار .. أن أُولد عمياء .. "
" و ستبقين عمياء طالما إنكِ تُسدلين جفونكِ على عينيكِ بكسلٍ و تخاذل و تقولين : شاءت الأقدار .! الأقدار تأخذكِ إلى مفترق طُرق و تترك لكِ الخيار.. فلو كُنتِ مُبصِرة و أغمضت عينيكِ بوشاح و تركتكِ لتعيشي مغمضة العينين بقية حياتكِ .. هل ستكونين منال التي تجلس بقربي الآن ؟ "
" بل لكنتُ مختلفة .. لكنتُ أقوى .. لكنتُ الشخص الذي لن أصل له في واقع حياتي أبداً .."
" أرأيتِ إن الخيار متروكٌ لكِ ؟ أنت تقيدين نفسكِ بقيود وهمية ثم تكتبين على نفسكِ أن تبقي عاجزة و تلومين الأقدار ؟ أما كانت الأقدار لتأخذ منكِ سمعكِ أيضاً ؟ أما كان بقدرته و جلاله الذي جعلكِ تخرجين على وجه الدنيا بأصابع عشر في اليدين أن ينتقص منكِ يد أو اليدين معاً ؟ أتتكلمين عن الأقدار ؟ لستِ من يصنع الأقدار ، بل الله من يفعل ، فمن أنت إذاً لتعترضي عليها ؟ أخبريني الآن من أنت ؟؟ "
بسؤالها فتحت عليّ أبوابٌ من التساؤلات .. جعلتني أواجه حقيقة كنتُ أهرب مِنها .. كِنتُ و لا زُلت أعيش الضَعف و العجز و أتعلل بفقدي بصري .. لم أرى يوماً ، لكنني سمعت عن أشخاص فقدوا أطرافهم الأربعة ، و رغم ذلك عاشوا أفضل ممن أنعم الله عليهم بصحة الأعضاء ... لكن عندما يعيش الأنسان في قوقعة مغلقة ملؤها السواد و الظلام .. و ترفض الروح الجسد الذي تعيشُ فيه ، يُصبح العيش عسير .. بل عندما يكون المرء مختلفاً ، لهُ قوانينهُ و مفرداته و عالمهُ الخاص فإنه يفقد إحساسه بالحياة ، فيكون كالميت الوحيد في قبره .. ففي قاموس المبصرين ، من الغباء أن يدير المرء ظهره للآخرين ، فهو لا يدري متى يُطعن !! بينما في قاموسي لا فرق بين وجهٍ و ظهر ؛ فالجانبين لا يحتضنان جوهرتين مبصرتين ما بين الثنايا ، فما الفرق إذاً ؟ أنا مختلفة ،و لكن من أنا ؟
أشعُر بها تُناظِرُني ، تستطلع من ملامح وجهي معارك المشاعر بداخلي ، تستلمح الإستياء الذي بدا جبراً على شكل تقاطيع غزت صفحة جبيني ..
".: الجزء الثاني في الطريق ما راح أتأخر :. "
كل الود
دمعة وفا
مساؤٌكمـ كما تشتهون يأ أعضاء شموخ الإبداع ها أنا عٌدت من جديد للكتابة في مجال القصة ..
بأسلوب ربما يكون مٌختلف وربما لا.. وبفكرةٍ جديدة بلا شك عموماً القصة التي سيتم طرحها الآن كتبتها بصيـف 2008 ولم أطرحها إلا هٌنا ..
في صيف 2008 كانت هناك مسابقة أدبيه "بجريدة الوسط"بجائزةٍ مغرية ايضاً وقدرها 1000 دينار المسابقة كان بها عدة بنود وشروط ومسموح بجميع المستويات العلمية والثقافية التي تمتلك خبرة في مجال الادب المشاركة فيها وكانت المسابقة تتضمن كتابة قصة او مشاركة بمسرحية ..او كتابة خاطرة شعر للبحرين عموماً قصتي هذه كان يٌفترض بها أنّ تكون مشاركة المسابقة ولكن للأسف بعد ان كتبت القصة فضلت ان اكون ناقدة ادبية من لجنة الحكم على ان اكون كاتبة ومشاركة في المسابقة الادبية بالجريدة على كٌلٍ عندما كٌنت افكر بالمشاركة ككاتبة كٌنت افكر في كتابة قصة من نوع مختلف على ان اكتب خاطرة او شعر قصة تكون مميزة ففكرت في الكتابة عن المكفوفين وحاولت أنّ أتقمص الشخصية بقدر المستطاع ..
القصة لم أراجعها احبتتٌ ترك هذا الامر لكٌم أنتم اخواني اخواتي.. سأرحب بالنقد من جميع النواحي.. وتأكدوا بأنني أرحب بنقدكم وتشجيعكٌم ايضاً لا لمجاملاتكٌم احبائي..!
لن أطيل عليكٌم كثيراً سأترٌككٌم مع القصة ..
.: الجزء الاول :.
جلست على الشاطئ .. أنظر نحو المجهول , غير مكترثة بالرمال الرطبة التي تلوث عباءتي , تُحدثني و أنا شاردة الذهن ، فالجسد هنا و العقل أختطفته الذكريات إلى زمن غير الزمن .. أشعر بالنسيم يلاعب شعيراتٍ تسللت من تحت حجابي فأخذت تدغدغ وجهي ، أدخلتها تحت الحجاب بأصابعٍ مرتجفة و بسمة عقيمة ترتسم على شفتيّ الذابلتين , كانت قريبتي تقف على مقربة مني تحثني على الرحيل ..
" الجو بارد هنا .. و الوقت قد تأخر .. يجدر بنا الرحيل "
شيءٌ في هذا المكان يُشعرني بالراحة , و كأن الأثير يعزف في أُذنيّ أنغاماً موسيقية رائعة تشاركه العزف الأمواج الهادئة و هي تتراقص بإنسابية , فيشكلان معاً سمفونية مذهلة ..
" للتو أتينا , دعيني قليلاً بعد "
شعرت بها تبتعد , فلم أحرك ساكناً .. تشدني سحابة الذكرى لأحلق معها بجناحين مكسورين متكئة على أمل مخنوق و رجاء خائب , فأخذتني هذه السحابة لساعة ولادتي ، هناك حيث كانت صرخات أمي .. ألمها .. و أدمعي ! وُلِدتُ طفلة جميلة , صغيرة الأطراف , ناعمة الملامح بعينين حالمتين , يتوج رأسي شعر أخذ من سواد الليل لونه , و من زغب الريش نعومته , و من السحاب الشتوي كثافته , فكأن بوجهي قمراً أخترق الظلمات بنوره .. تتلاقفني الأيدي المشتاقة لمرأى الأطفال الملكوتي , ببشرتهم البيضاء الحليبية و شفاههم الندية المشروربة بحمرة خوخية محببة , تُطبع على خديّ قُبلاتٌ حارة تكسوها الشفقة و الأسى , تنتقص من فرحة أمي إني وُلِدتُ عمياء .. ضريرة .. مخطوفة البصر .. تُلملِمُ أدمعها و تُبقيها جبراً في محاجر العين , تبتلع الغصص و تُبدي فرحة كسيرة , تبدو في تحركاتها الهادئة سكينة المرأة المؤمنة بالقدر و الأم الحنون المحبة لوليدها .. سُميتُ " منال " و كان الأجدر أن أُسمى " أملٌ مستحيل " كبرت و كبرت معي مداركي .. فكان أول ما أدركته هو أنني وِلدتُ ناقصة .. لا أدري كيف أبدو .. أو كيف هم الناس حولي .. خطواتي الأولى كانت معجرة تراقصت لها القلوب فرِحة .. أخطو خطواتي بحذرٍ دفين مستهديةً بنور البصيرة و بقية الحواس .. تطوقني أمي بدرع حماية و اهتمام مميز .. فكأني بِها العين التي أستدل بها و الجسر الذي يُصيِّر بي إلى عالم أأمَنُ فيه الظلمات التي تأسرني ..
كبرتُ قليلاً لأخرج إلى عالم أوسع من ذاك الذي عرفته .. أشخاصٌ جُدد , أصواتٌ غريبة , أُبعِدتُ عن السياج الواقي الذي تحوطني به أمي فشعرت بالخوف من الجديد المجهول .. أسمع أصوات الأطفال حولي يتراكضون كفراشاتٍ حرة ، بينما وقفت أنا أحتضن ثوبي خائفة كقطة يتيمة ..حتى خطوت بضع خطوات فأهتديت إلى جدار قريب فأنزويت في زاويته كيرقة تأخرت في النمو عن خليلاتها .. كَرِهتُ ذلك المكان الذي أُخِذتُ إليه ,و عندما حضرت أمي لتعيدني إلى المنزل انطلقت كالهائمة على وجهها أبحث عن الحضن الدافئ الذي خُيِّل لي أني قد فقدته .. سمعت صوتها ينطق بأسمي فأرتميت نحوها ألتمس في صدرها الدفء و الأمان .. و عندما أطمئننتُ إلى وجودها قربي , أفصحت عن ينابيع من الدموع المكبوتة ..
" أمي .. أنا أكره هذا المكان , لا أريد المجيء إلى هُنا غداً , لا أُريد المجيء إلى هُنا أبداً "
" و لكن حبيبتي هُنا يأتي جميع الأطفال في مثل سنكِ ليلعبون معاً "
صمتُّ و العين مني ذابلةٌ دامِعة .. مكسورة الخاطر , القلب حُطام مُبعثر و لسان حالي يقول :
" لستُ مثلهم .. أنا مختلفة ! "
طوقتني أمي بذراعيها حتى توقفت عن البكاء , ثُم أخذتني إلى المنزل , فلم آكل أي شيء طوال اليوم و لم أتحدث مع أي أحد , بل و آثرتُ العزلة في غرفتي , و أنا أُفكر في ما لو أخذوني إلى هذا المكان مجدداً غداً , ماذا سأفعل ؟ و كيف سأتصرف ؟ بللت الوسادة بأدمعي , فأخذ التعب مني كل مأخذ و استسلمت لنوم عميق .. و عندما أستيقظت وجدت عصافير بطني تزقزق طالبةّ شيئاً من الطعام .. فغادرت فراشي و ذلفتُ قاصدةً المطبخ أتحسس الجدران لإيجاد طريقي , عندما أستوقفتني أصواتٌ صادرة من غرفة المعيشة , اقتربت من المكان متخفية بالجدران عن أعين المتحدثين .. فتبادر إلى مسمعي صوت أمي تتحدث بلهجة استياء ..
" يجب أن نعيد النظر في موضوع الروضة هذا , يبدو أن طفلتنا ليست مستعدة بعد "
فأجابها أبي ببحة صوته المعهودة :
" يجب أن تتعلم كيف تتصرف لوحدها , يوجد الكثير لتختبره بعد , فدون ذلك لن تقوى على مواجهة الحياة .. "
عمّ الصمتُ المكان , و لم تنطق أمي بكلمة , فأردف أبي ..
" أفتحي القفص الذي سمحتِ لها بالإحتماء فيه و أتركيها لتنطلق .. الطير يسقط عدة مرات قبل أن يتعلم الطيران "
عُدتُ إلى غرفتي و قد نسيت أو تناسيت جوعي , و كأن بهم بهذا القرار قد حكموا عليّ بالعذاب المؤبد , نزلت تحت الغطاء و أنا أشعر بالظلم و الحزن معاً .. و في صباح اليوم التالي أتت أمي توقظني لأرتدي ملابس السجن الذي سيضمني طوال هذا العام , و هكذا مرّت الأيام و السنين بسرعة و أنا أكبُّر و أتنقل بين مدارس خاصة لمن هم في مثل حالتي , تعلمت الكتابة ، و تعلمت القراءة من كتب خاصة و تعرفت على أشخاصٌ كُثُر وُلِدوا فاقدين البصر أو فقدوه إثر حادث ما .! رغم ذلك كنت أشعر بالنقص .. فكنت استيقظ كل يوم و أنا أشعر بأن بزوغ شمس جديدة ما هو إلا أسلوبٌ مميز من أساليب التعذيب التي تتقصد الحياة تسليطها عليّ , فكم سئِمت الإستيقاظ صباح كل يوم فأكتشِف إنني ما زلتُ حية .. في حين تستيقظ فتيات جيلي باسمات الثغر ، متفائلاتٌ بيوم مميز ، تنير أركانه خيوط الشمس الذهبية ..
تتناهى إلى مسمعي أصوات الأمواج تهوج تارة و تهدأ أُخرى , بين مد و جزر , بين جيئة و ذهاب .. و هي تبلل أطراف العباءة و تبللني و كأنها تغسل مني الهموم و تُغرقها في عمق البحر فتعود ببرودتها تلمسني لتعيدني إلى واقعي المرير .. فنفضتُ عني غبار الذكريات و أتربة الشاطئ الرطبة و قبل أن أنصرف سألت قريبتي ..
" غيداء , كيف هو المنظر أمامنا ؟ "
صمتت طويلاً حتى ظننت لوهلة إنها قد ذهبت و تركتني ها هنا وحدي ..
" غيداء ؟ "
" قبل قليل أبتلع البحر دائرة الشمس البرتقالية المحمرة ، فتلاشت في الأفق البعيد وانقشعت تلك الحمرة الدامية عن وجه البحر و حلّ مكانها سواد دامس يقيم على سطح البحر و يأسره حتى الأعماق .. فلكِ أن تتخيلي لونه ، و هو اللون الذي يرافقكِ منذ الولادة ..! أما الأثير فهو يعاكس البحر و يداعب سطحه فتتمايل الأمواج بهدوء و سكينة "
" ما دام كل ما ترينه سواد ، الأجدر بنا أن ننصرف ، فلهذا اللون معي حكايات ، بل روايات .. مفاتيحها الدموع و خواتيمها الحبس المؤبد في كتائب الظلام "
أستجابت لي غيداء بأن وضعت يدها بيدي و سارت بي نحو السيارة , لنعود للمنزل .. و بينما نحن في طريقنا شعرت بأن الطريق غير الطريق الذي عهدته .. فالمنعطفات المتقاربة و الممرات الضيقة في حينا السكني صارت طريق طويل و دوارات متباعدة ..
" إلى أين نحن ذاهبتان ؟ "
" ستعرفين بعد قليل .. أقتربنا "
دارت في رأسي تساؤلات و لكنني قررت أن انتظر لاكتشف بنفسي .. و عندما وصلنا إلى المكان المقصود ترجلنا من السيارة و سِرنا خطوات قبل أن تنبهني غيداء إلى وجود عتبات سلم أمامنا .. فصعدته بحذر ، ثم توقفت غيداء عن السير و وقفت معها .. ففتحت لنا الباب فتاةٌ عرفت من صوتها و هي ترحب بنا بحفاوة و لباقة شديدة إنها ما بين الخامسة عشر و السابعة عشرة من عمرها .. اصطحبتنا إلى غرفةٍ قريبة من المدخل ثم أستأذنتنا للإنصراف .. و ما هي إلا دقائق معدودات و إذا بسيدة ثلاثينية أو قد تكون في العقد الرابع من عمرها تدخل الغرفة و هي ترحب بنا بالحفاوة ذاتها , صافحتني و طبعت قبلة خفيفة على خدي ثم جلست قربي .. بينما أنا مشدوهةٌ حائِرة , من هذه السيدة ؟ و لمّ نحنُ هُنا ؟ و كأن بعلاماتِ إستفهام أرتسمت على وجهي و لحظتها السيدة الجالسة بقربي فتحدثت لتنتشلني من حيرتي دون مقدمات ..
" أنا أُدعى وِداد , حدثتني عنكِ غيداء كثيراً .. فعرفت مِنها إنكِ قد أكملتِ العام الماضي دراستكِ الثانوية , و لكنكِ لم تلتحقي بعد بأي جامعة .. و عندما تساءلت عن السبب ذكرت لي بعضٌ من أسبابك ، و التي هي بنظري أسبابٌ واهية ، لهذا طلبت منها أن تأتي بكِ إلى هُنا لربما أقنعتكِ بوجهة نظري "
" أشكر اهتمامكِ سيدة وداد , و لكنكِ لن تجدي طائل من الحديث معي في هذا الأمر .. فكيف لي أن أسمح لنفسي بالدخول و السير في حديقة غنية بالثمار و أنا لا أطال ثمارها .. اكتفيت من الشعور بالعجز .. هكذا سأبقى في أمان من الشعور بالشفقة على نفسي .. و سأأمن شفقة الآخرين أيضاً.. فما من شعور أسوأ من الشعور بالشفقة "
و كأن كلامي قد أثار حفيظتها .. فنهرتني ناصحة بنبرة شديدة ..
" هذا يُسمى هروب .. لكي تتخلصي من شعوركِ بالعجز عليكِ أن تواجهي .. و تكوني قوية .. لا أن تختبئي خلف جُدرانٍ سراب .. سوف تضطرين يوماً للمواجهة و سُتدركين إنكِ ضعيفة "
" فعلاً أنا ضعيفة .. فكيف تريدينني أن أواجه ؟ بل بماذا أواجه ؟ هكذا شاءت الأقدار .. أن أُولد عمياء .. "
" و ستبقين عمياء طالما إنكِ تُسدلين جفونكِ على عينيكِ بكسلٍ و تخاذل و تقولين : شاءت الأقدار .! الأقدار تأخذكِ إلى مفترق طُرق و تترك لكِ الخيار.. فلو كُنتِ مُبصِرة و أغمضت عينيكِ بوشاح و تركتكِ لتعيشي مغمضة العينين بقية حياتكِ .. هل ستكونين منال التي تجلس بقربي الآن ؟ "
" بل لكنتُ مختلفة .. لكنتُ أقوى .. لكنتُ الشخص الذي لن أصل له في واقع حياتي أبداً .."
" أرأيتِ إن الخيار متروكٌ لكِ ؟ أنت تقيدين نفسكِ بقيود وهمية ثم تكتبين على نفسكِ أن تبقي عاجزة و تلومين الأقدار ؟ أما كانت الأقدار لتأخذ منكِ سمعكِ أيضاً ؟ أما كان بقدرته و جلاله الذي جعلكِ تخرجين على وجه الدنيا بأصابع عشر في اليدين أن ينتقص منكِ يد أو اليدين معاً ؟ أتتكلمين عن الأقدار ؟ لستِ من يصنع الأقدار ، بل الله من يفعل ، فمن أنت إذاً لتعترضي عليها ؟ أخبريني الآن من أنت ؟؟ "
بسؤالها فتحت عليّ أبوابٌ من التساؤلات .. جعلتني أواجه حقيقة كنتُ أهرب مِنها .. كِنتُ و لا زُلت أعيش الضَعف و العجز و أتعلل بفقدي بصري .. لم أرى يوماً ، لكنني سمعت عن أشخاص فقدوا أطرافهم الأربعة ، و رغم ذلك عاشوا أفضل ممن أنعم الله عليهم بصحة الأعضاء ... لكن عندما يعيش الأنسان في قوقعة مغلقة ملؤها السواد و الظلام .. و ترفض الروح الجسد الذي تعيشُ فيه ، يُصبح العيش عسير .. بل عندما يكون المرء مختلفاً ، لهُ قوانينهُ و مفرداته و عالمهُ الخاص فإنه يفقد إحساسه بالحياة ، فيكون كالميت الوحيد في قبره .. ففي قاموس المبصرين ، من الغباء أن يدير المرء ظهره للآخرين ، فهو لا يدري متى يُطعن !! بينما في قاموسي لا فرق بين وجهٍ و ظهر ؛ فالجانبين لا يحتضنان جوهرتين مبصرتين ما بين الثنايا ، فما الفرق إذاً ؟ أنا مختلفة ،و لكن من أنا ؟
أشعُر بها تُناظِرُني ، تستطلع من ملامح وجهي معارك المشاعر بداخلي ، تستلمح الإستياء الذي بدا جبراً على شكل تقاطيع غزت صفحة جبيني ..
".: الجزء الثاني في الطريق ما راح أتأخر :. "
كل الود
دمعة وفا