• عزيزي العضو

    إذا كنت تواجه مشكلة في تسجيل الدخول الى عضويتك فضلا قم بطلب تغيير كلمة المرور عبر (نسيت كلمة المرور) أو التواصل معنا عبر أيقونة التواصل في الأسفل او البريد [email protected] او من خلال المحادثات على الواتساب عبر الرابط التالي https://wa.link/bluuun او مسح الباركود في الصوره

    إدارة الموقع

المرأة الوطن والأرض

الاعضاء الذين تم تكريمهم لهذا الشهر

هَـدُوءْ ~

مراقبة عام
المرأة / الوطن والأرض:
في تجربة حب الوطن كثيرا ما يختلط الأمر على المتلقي

أثناء تعامله مع التصوف بحيث لا يستطيع أن يُفرق
بين المحبوبة والوطن فالحديث ظاهريا يتجه نحو المرأة: حبيبتي
تنهض من نومها أحبك أو لا أحبك تلك صورتها وهذا انتحار العاشق
ولكن ما إن تتعمق الدلالة جيدا وتصل بين مكونات الصياغة

حتى ترسو على قاعدة صلبة هي حب الوطن، وتصبح المحبوبة
في أغلب قصائده هي الوطن فلسطين ففلسطين بالنسبة له هي أمه
ومحبوبته وأخته ومعشوقته هي كل شيء في حياته لذلك لقب
بمجنون التراب شاعر الأرض المحتلة عاشق من فلسطين شاعر الثورة.
فعملية التمازج بين المرأة والوطن هي ظاهرة بارزة عند الشعراء

المحدثين لكن درويش عمّق من عملية التمازج وبلغ ذروتها حتى درجة التوحدّ.
الأرض أم أنت عندي أم أنتما توأمان
من مدّ للشمس زندي الأرض أم مقلتان سيان سيان
إذا خسرت الصديقة فقدتُ طعم السنابل
وإن فقدت الحديقة ضيعت عطر الجدائل وضاع حلم الحقيقة
لذلك رسم الشاعر ملامح الوطن في شعره كما يرسم ملامح

المرأة المحبوبة دون أن تشعر بمفارقة بينهما.
فلسطينية العينين والوشم فلسطينية الاسم
فلسطينية الأحلام والهم فلسطينية المنديل والقدمين والجسم
فلسطينية الكلمات والصمت فلسطينية الصوت فلسطينية الميلاد والموت
حملتك في دفاتري القديمة
نار أشعاري
حملتك زاد أشعاري
وباسمك صمت في الوديان
خيول الروم أعرفها، وإن يتبدل الميدان
"سأكتب جملة أعلى من الشهداء والقتل
فلسطينية كانت ولم تزل"
وعملية التمازج بين المرأة والأرض أو الوطن ممتدة في التراث

الإنساني لما بينها من نقاط التقاء وتشابه فكلتاهما رمز للخصب
والنماء كما أنهما رمز للحياة وبينهما البدء الإنساني يتم بالخروج
من رحم المرأة فإن المنتهى الإنساني يكون دخولا في رحم الأرض
وهما الوعاء الذي تُلقي الطبيعة فيه بذورها.
وإن كانت تجربة درويش تعتمد على ثنائية الأرض/ المرأة وتقديسها باعتبارهما

مصدرين للحياة فإن هذا التقديس دفع الشاعر لأن يتغنى بخطاب المرأة إمعانا
في تقديس أرضه ووطنه فإذا كانت الأرض عنده مقدسة وهي في الواقع مستباحة
من قبل المحتل الصهيوني فإن وسيلته في مقاومة هذا الانتهاك تجلت على مستوى
اللغة عندما يمزج بينهما بحكم أن المرأة تظل عفتها وعِرضها
بعيدا عن أي انتهاك في عُرف الإنسان العربي.
وبالعودة إلى الوراء فإن وأد المرأة في المجتمع الجاهلي ليس احتقاراً

لها أو تقليلا من أهميتها في المجتمع بل هو حفاظ على قدسيتها
كي تبقى في منأى عن الانتهاك العرضي ولهذا علت قيمة الحب
العذري للمرأة على قيمة الحب الصريح.
وإذا كانت المرأة في التراث تكتسب قداستها لأنها حاملة لقيم

الشرف عند الرجل فإنها عند درويش مقدّسة لأنها تمثل عنده
الوطن الذي لم يُستبح بعد بحيث يلجأ إليها ويحل فيها عند
شعوره بالغياب والضياع وعدم القدرة على العودة.
لذلك لا يتورع الشاعر في مخاطبة الأرض/ الوطن كما يخاطب

المرأة المعشوقة وتصبح المرأة قناعا يُفرغ من خلاله كل مشاعر
الشوق والحنين والحب تجاه وطنه وأرضه: يقول:
آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر
إنني العاشق والأرض حبيبة
وحب الشاعر لمعشوقته الأرض لا يتوقف عند حدّ الاشتهاء

والرغبة بل يصل إلى حالة من التوحد الصوفي حيث يفنى المحب
في محبوبته ويجد في عذابه وموته لذة لا تنتهي.
أموت/ أحبك
إن ثلاثة أشياء لا تنتهي
أنت والحب والموت
فكوني امرأة/ كوني مدينة
بهذا العشق الصوفي للوطن تتأكد الملاحظة التي ذكرتها

من قبل وهي اللحظة العاطفية بينما حبه للوطن يتسم
بالصدق والديمومة المستمرة.
***
4- المرأة الإنسان:
يمكننا أن نتناول هذا المحور من خلال حديث الشاعر عن فتاة

يهودية هي "ريتا" حيث ورد اسمها في كثير من دواوين الشاعر
آخر الليل .. العصافير تموت في الجليل .. حبيبتي تنهض من نومها
أحبك أو لا أحبك أعراس .. أحد عشر كوكبا .. استطاع الشاعر
من خلالها أن يُعبر عن علاقة عاطفية حارة بينه وبينها على خلاف
ما عهدناه في علاقته مع الفتيات العربيات وهذا يدفعنا إلى تبرير
هذه العلاقة وتفسيرها.
فريتا فتاة يهودية أحبها الشاعر واتخذ من حبها رمزا للعلاقة

الإنسانية المنشودة علاقة الحب والإخاء والمودة على هذه الأرض
بعيدا عن العصبية والعدائية والعرقية وقد بالغ في علاقته بريتا وانشداده نحوها
ليستغل ذلك في التعبير عن قسوة الاحتلال وظلمه
وأن الاحتلال هو رمز لتحطيم العلاقات الإنسانية الطيبة
واعتداء على الحرمات الخاصة والعامة مما يجعل من صورته
صورة منفرة مرفوضة عالميا.
يقول في قصيدته ريتا والبندقية:
بين ريتا وعيوني ... بندقية
والذي يعرف ريتا ينحني
ويصلي لإله في العيون العسلية!
ففي هذه القصيدة يعبر عن جو السعادة والهناء في قربه

من محبوبته ريتا ولكن هذا الجو لا يفسده إلا عنف المحتل وقسوته:
اسم ريتا كان عيدا في فمي
جسم ريتا كان عرسا في دمي
وأنا ضعت بريتا ... سنتين
وهي نامت فوق زندي سنتين
وتعاهدنا على أجمل كأس واحترقنا
في نبيذ الشفتين
وولدنا مرتين!
آه ... ريتا
أي شيء رد عن عينيك عيني
سوقي إغفاءتين
وغيوم عسلية
قبل هذي البندقية
وفي موضع آخر:
نامي هنا البوليس منتشر
هنا البوليس كالزيتون منتشر
طليقا في أثينا .... الخ
وإمعانا في تقبيح صورة اليهودي فإن الشاعر يصوره حتى

في حالات الحب والعاطفة قاسيا متجبرا وكأن هذه الخاصية
ملازمة له لا تفارقه ..
يقول في قصيدة كتابة على ضوء البندقية:
وأحست كفَّه يفترس الخصر
فصاحت: لست في الجبهة..
قال: مهنتي!
قالت له: لكنني صاحبتك
قال من يحترف القتل هناك
يقتل الحب هنا
ويقول:
وريتا تنام .. تنام وتوقظ أحلامها
نتزوج؟
نعم/ متى؟
حين ينمو البنفسج
على قبعات الجنود
هكذا يبدو شاعرنا متعلقا بريتا وسواء أكان جنة لها حبا حقيقيا

أم فنيا فإنه استغل تجربة الحب هذه في التعبير عن قضيته الإنسانية ..
اختتم الدكتور ورقته القيّمة بقوله: في الختام فإن المرأة

عند درويش ليست كأي امرأة وإنما هي امرأة فنية يستغلها الشاعر
في التعبير عن تجربة وطنية عاشتها الذات الشاعرة داخل الوطن وخارجه ووجد في لغة المرأة
وسيلة ناجعة لتفريغ الشحنات العاطفية المكتنزة في داخله تجاه الوطن وشعبه الفلسطيني.
* هذه المادة هي تلخيص لمحاضرة د. ألقيت في تاريخ 11-11-2008

في مدينة غزة ضمن فعاليات صالون نون الأدبي بإدارة : الأديبة:
فتحية إبراهيم صرصور وأختها مي الذي قام بتكريم الشاعر الكبير المرحوم: محمود درويش.

د. محمد صلاح أبو حميدة
 
عودة
أعلى