سيدة البحر
عضو نشيط
دراسة في خصائص الأدب العربي الأميركي
الشعر العربي الأميركي
يعتبر جبران ونعيمة وأبوماضي مع الريحاني أشهر من كتب الشعرمن المهجريين رغم أن لائحة الشعراء المهجريين هي أكبر بكثير من هذه الأسماء. تأثر جبران بوليم بليك وتأثر الريحاني بوايتمان وحققا ثورة شعرية في المدرسة التقليدية. كتب نعيمة القليل من الشعر ونشر نقداً أكثر تأثيراً من شعره. أما أبوماضي فقد يكون الأغزر والأعمق بين المهجريين لكنه لم ينلْ حقه من التقدير والشهرة في الوطن العربي أو أميركا. ويبقى جبران أحد أشهر الكتاب الأميركيين وأهم الأدباء العرب الأميركيين في القرن العشرين. لقد بيع كتابه النبي بالملايين خلال العقود الماضية وما يزال أحد أشهر الكتب في أميركا.
بعد حربي 1948 و1967، وإثر التغيرات السياسية بعد حربي الخليج الأولى والثانية، حصلت موجات هجرة إلى أوروبا وأميركا، وأنتجت أدب اغتراب عربي منفيّ. لكن في الوقت نفسه أيقظت الوعي القومي في الأجيال الأميركية الجديدة من أصول عربية . راح هؤلاء الكتاب، متأثرين بالمجتمعات العربية الصغيرة المحيطة بهم يعون اختلافهم في موقفهم الفكري والإنساني من بعض القضايا العربية ذات البعد العالمي. تشكل مع الوقت في أعماق هؤلاء الكتاب هويةٌ ثنائيةٌ، أعني انتماءهم للبلد الذي تربوا فيه وتشربوا قيمه وتاريخه وحضارته، وفي الوقت نفسه تميّزهم الفريد في نظرتهم الفكرية ورؤيتهم السياسية لقضايا الشرق التي تعاديها السياسة الأميركية بشكل عام.
فها هي ليسا مجج الشاعرة الأميركية العربية من أصول فلسطينية تقول على لسان امرأة فلسطينية تكلم ابنها:
لا تذهب قريباً من ثلم الزيتون..
ثمة مستوطنون مسلحون.
لا، لا أعرف كيف سنحصد الزيتون، ولا أعرف ماذا سنعمل إذا
جرفوا بالبلدوزر الأشجار.
سيعيننا الله إذا شاء، وربما جمعية الأونروا
لكن ليس الأميركان بالتأكيد.
هذه الثنائية الفكرية ولدت نوعاً من التوتر النفسي الخلاق والقلق الجميل المبدع لدى الكتاب العرب الأميركيين، وكثيراً ما كانت أشعارهم شيئاً من الذكريات التي عاشوها مع أهلهم وأجدادهم العرب في محيطهم الأميركي المختلف.
في قصيدة للورانس جوزف ، الشاعر الأميركي من أصول لبنانية يقول:
في بيتِنا ، في مدينة ديترويت
في غرفةٍ مملوءة بالظلال
أرقبُ جدتي، وهي تقرأُ
صحيفةً عربيّة
أحاولُ بصعوبة أن أتبعَ مسار الحروف
من اليمين إلى اليسار
أحارُ في تصديقها عندما تُخْبرني
كيف ستشملني المُعجزة
إذا أتممْتُ الصلاة لقلبِ سيّدة لبنان المُقدّسِ .
لبنانُ في كلّ بقعة من بيتِنا
في المطبخ المُشبَع بأبخرة القُدورِ
وفخذ الضأْن في الفرن
في أطباق الكُوسا والملفوف المَحشيّ
في الصحون الممْلوءة بأصناف الزيتون والبندورة والبصل ،
في الدجاج المشوي والحلويات ؛
في غرفة بيتِنا المُشمسة ، حيث أجلسُ وجَدّي ،
يُعلّمُني كيف أمتلك الحظَّ
فوق طاولة النردِ .
بعض الكتاب يتكلم عن الحياة الخاصة بهذه المجتمعات العربية الصغيرة داخل المجتمع الأميركي الكبير المتعدد الهويات والإثنيات والألوان: ففي مدينة ديترويت وقربها ديربورن، حيث أكبر تجمع عربي خارج الوطن العربي، ما يزال الإنسان العربي يعيش ثنائية وجودية. يقول حيان شرارة:
خذ ديترويت، حيث الأولاد
يُصَنَّعون رجالاً، حيث
تتعلّم التّفكير كأمريكيّ
لا تتكلّم مع أحد إلاّ إذا بادرك بالحديث
الجميع مشتبه في أمره
سعاة البريد الصلعان في مكتب البريد،
السّيّدات البولنديّات العجائز اللواتي يقسمن
باسم يسوع، ويوسف ومريم،
أخوك، خاصّة أخوك،
ينتظر في خطّ طويل للعمل
ثمة دوماً وجه آخر
بغضّ النّظر عما يحدث،
غدًا يومٌ بعيد،
أو زجاجةُ خمر إذا لم تستطع النوم،
و إذا توقّفت عن الشّرب،
علبةُ سجائر .
ثنائية الهوية تظهر أيضاً أثناء المعاملة الخاصة للمهاجرين الجدد قبل أن يصبحوا مواطنين أميركيين. ففي قصيدة بعنوان الهجرة والتجنّس يقول حيان شرارة:
لا يعرفُ كم يستطيع أن يحتمل أكثر
أُخذتْ صورتُه ثلاث مرّات،
كلّ صورة مفقودة أو غير ملائمة
كان عليه أن يتصالح
مع حقيقة التّاريخ
لوجهه المميّز
لأن الأشخاص الذين يشبهونني،
الواقفين في الصّفّ لم يكونوا
محنةً، إنما سلسلة
للحوادث المتوقعة
إذن خلال العقدين الأخيرين للقرن العشرين تبلورت أكثر الهوية العربية للكتاب الأميركيين من أصول شرقية، وظهر تيارٌ أدبي يشجع على بعض الاعتراف بكيان عربيّ صغير الحجم لكنه قابل للنمو والنضج بشكل يبشر بيقظة أدبية عربية مهجرية بلسان أميركي . صاحبَ هذا النّشاط نتاجٌ أدبيّ رفيع المستوى، مفحوص كأدب عربي أميركي من قبل النقاد، لكتاب مثل نعومي شهاب ناي، ليزا سهير مجج، خالد مطاوع، ديانا أبوجابر، وجوزيف جحا. طبعاً تغلب الكتابة الشعرية على النثرية في هذا النتاج بشكل واضح ويدعو للتساؤل: لماذا يفضل أحفاد جبران والريحاني الشعر على القصة والرواية رغم تقلص القراء المهتمين به أمام اجتياح الفن الروائي في أنحاء العالم كله!!.
النثر العربي الأميركي
نستطيع أن نعتبر جبران بروايته الأجنحة المتكسرة، وأمين الريحاني في " كتاب خالد" أول العرب الأميركين الذين كتبوا الرواية رغم أن هذا الفن الأدبي لم يكن ناضجاً في ذلك الحين على المستويين العربي والعالمي.
كانت رواية "موسيقى الجاز العربيّة" حين ظهورها عام 1993 للكاتبة الأميركية الأردنية ديانا أبوجابر، العمل الأدبي الجماليّ الأكثر تطوّرًا من قبل روائي عربيّ أمريكيّ. وهي تشكل مع المجموعة القصصية "قصص توليدو" الصادرة عام 1990، للكاتب الأميركي اللبناني جوزيف جحا مثالين متميزين للتواصل بين الإثنيات من خلال النثر العربي الأميركي المعاصر. يتناول الكتابان المجتمعات العربية المهاجرة الصغيرة بخصوصياتها وتقاليدها وسط المجتمع الأكبر.
تتألف مجموعة قصص توليدو من ثماني قصص قصيرة نشرت بشكل فرديّ بين ال1970 و ال1990، تتناول عائلة يعقوب الأمريكيّة اللّبنانيّة الواسعة في ميناء توليدو وديترويت من الفترة بين عام 1929 إلى 1985.
أما رواية "موسيقى الجاز العربيّة" فهي تصوير ساخر للمجتمع العربي من خلال عائلة رامون في مدينة أوكليد، ولاية نيويورك. وهي أيضاً مليئة بالأمثلة الظّريفة لميراث ثقافيّ، والتهكم وربما الهجاء لنقاط الضّعف البشريّة للعائلات الأمريكيّة العربيّة . هذا ما جعل بعض أفراد المجتمع الأمريكيّ العربيّ غير مرتاحين لنقدها النماذج السّلبيّة المنتشرة.
تشير أليس إيفانز إلى أن موسيقى الجاز العربيّة هي الرّواية الأولى المنشورة عن التجربة الأمريكيّة العربيّة. لكن قبل ذلك نشرت إتيل عدنان رواية "ست ماري روز" عام 1977، و أصدرت إلماظ أبي نادر "أطفال الرُجمه" وهي سيرة ذاتيّة روائية عام 1991. وفي العقود التي تفصل بين جبران والريحاني وأحفادهما كان ثمة نشاط أدبي نثري ضعيف الأثر..فقد كان هناك محاولات بسيطة ومتواضعة مثل رواية «من المهد إلى اللحد» لأنطون شكور الذي كان يقيم في البرازيل. ورواية نظير زيتون «ذنوب الآباء». ورواية «في سبيل الحرية» لإلياس قنصل. وبعض المسرحيات مثل مسرحية «الآباء والبنون» لميخائيل نعيمة ومسرحية «ابن حامد» لفوزي المعلوف.
الأدب العربي الكندي
إن الأدب العربي الكندي، رغم قربه الجغرافي من الأدب العربي الأميركي، حديث العهد مختلف الصبغة. يتمركز الأدباء في منطقة "كيبك" و"أونتاريو". معظمهم جاء إلى كندا في ستينات وسبعينات القرن العشرين، ولم يكن ثمة أدب أو روابط أدبية أو صحافة أدبية في أوائل القرن العشرين كما في الولايات المتحدة. يكتب معظم الأدباء العرب الكنديين باللغة الفرنسية، إلا أن عدداً مهماً من الذين هاجروا في العقدين الماضيين يكتبون باللغة العربية، وقد أدرجتُ نتاج بعضهم في الأنثولوجيا العربية " أنثولوجيا الأدب العربي المهجري المعاصر"، وما أزال أكتشف أسماء جديدة تستحق التوثيق والدراسة. نسبة قليلة من الأدباء العرب الكنديين يكتبون باللغة الإنكليزية مثل جون عصفور، وليد بيطار، ورُبى ندى.
ليست هناك مجلات عربية كندية متخصصة بهذا الأدب وينشر الأدباء نتاجهم الفرنسيّ في الجرائد والمجلات الكندية الفرنسية. ويبدو أن لهؤلاء الكتاب بعض الحدود الإضافية لأن اللغة الفرنسية محدودة محصورة، وكونهم يحملون هويات ثنائية يجعلهم منعزلين في محيط واسع إنكليزي اللغة مختلف الاهتمامات.
من هؤلاء الكتاب العرب الكنديين الذين يكتبون بالفرنسية أذكر: ناديا غالم، آن ماري ألونزو، أندريه دهان، منى لطيف غطاس. إذاً في أغلب الأحيان يُدمج الأدب العربي الكندي مع الأدب العربي الأميركي
لكم مني خالص الود
سيدة البحر