لقاء خاص جدا مع الشيخ الكلباني
في اللقاء الأول مع الشيخ عادل الكلباني، الذي سبق إمامته الحرم المكي الشريف، كوّنت انطباعاً عاماً عن الداعية الذي استأذنته في إطلاق «البلبل الأسمر» عليه، فوافق. الانطباع الذي كان أنه شخص فريد في تواضعه وثقته بنفسه معاً، إلى حدّ يمكن معه القول «لا يفصل بينه وبين الغرور والخفة إلا شعرة». فلأول مرة أرى داعية في مكانته يعتبر «سكرتيره» أو عامله أشبه بأحد بنيه أو أكرم. ولأول مرة في الوقت نفسه أرى شخصاً متواضع الإمكانات المادية يطلق ما يعتقده من دون أن ينزع نحو خشية تفسير ما لقوله أو تأويل، أو حتى «قطع رزق».
ذهبت إلى الكلباني وكان حوار «الحياة» السابق معه أحد عوامل كثيرة لفتت إليه الأنظار فيما بدا، وقادته إلى الحرم الذي قال في الحوار لا يمثل طموحه! أما الثلثاء الماضي فإنني اتجهت للقارئ الشهير وأنا لدي فقط محوران «فوز أوباما، وإمامة الكلباني للحرم»، لكنني بحكم أننا في مجتمع يعطي للبعد القبلي شأناً كبيراً، فإنني قررت بداخلي أن أضحي بمحور فوز أوباما خوفاً من أن يكون في ذلك أي إحراج للشيخ الجميل، على أن أرضى بالمحور الثاني وأبحث له عن توابل، وتوابع.
لكن الكلباني أذهب عني الحرج في حديثه الجانبي القصير قبل الحوار، حين وجدته يشاهد تنصيب أوباما في اليوم نفسه على شاشة «بلازما» عريضة جداً، وخاطبني ساخراً خلينا نشوف «الخال» أي الأسمر. وهكذا انطلقت من تعليقه نفسه. وفي ما يأتي الحوار:
> أولاً سنبدأ من حدث الساعة، ما تعليقك على تنصيب أوباما واحتفال العالم كله عن بكرة أبيه بهذا التنصيب؟
- لا شك أن تنصيب أوباما وقبل ذلك فوزه بالنسبة إلي حدث مميز، بوصفه شخصاً ملوناً ومهاجراً وليس أميركياً أصلياً ويصل إلى ذروة المناصب، فلا شك أن هذا شيء مثير، خصوصاً إذا أضيف إلى ذلك جذوره الإسلامية. كأن أميركا تقول لأي فرد: بوسعك أن تصل إلى أي منصب بقدراتك وإمكاناتك بغض النظر عن أصلك وفصلك ولونك ودينك.
> أنت كإسلامي أو عالم دين كيف تنظر إلى هذا الحدث؟
- بالنسبة إلي هذا نهج إسلامي قبل أن يكون أميركياً، ولكنا عجزنا في العالم الإسلامي عن تطبيقه إلا في ما ندر، قال عمر رضي الله عنه لو أن أحد الموالي حياً لاستخلفه، فهذا النهج ليس جديداً على الإسلام ولكن إسلام الماضي مختلف عن إسلام اليوم.
> إذن هل ترى من ذلك أن الإسلام بدا تطبيقه من جانب أميركا بمكيالين؟
- الله سبحانه وتعالى يقول: «ومن الأحزاب من ينكر بعضه» فلماذا لم ينكروه كله، لأن الإنكار للكل يجعله في صف المعارض تماماً، أما إنكار بعضهم فيجعله مثل اليهود يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فكثير من المسلمين اليوم يؤمن ببعض ولا نقول يكفر ببعض، ولكن يترك بعضاً، وهذا واضح حتى عند بعض السلفيين تجد أحدهم يأخذ الشيء الذي يناسبه ويوافق مذهبه واعتقاده ويتجنب ما عداه.
> إذا عدنا للمملكة العربية السعودية وقد اختلط الكلباني بأجناسها كافة، إلى أي مدى ترى أن مبادئ الإسلام عندهم تطغى على العنصرية والقبلية وما إلى ذلك؟
- ثمة نجاح وإخفاق، فقد تجد سلفياً قحاً يأنف من الجلوس بجانب بنغالي مثلاً أو تقول له قال فلان فيقول ومن يكون فلان، والعصبية للمنطقة موجودة وبكثرة فما المشكلة في أن يكون فلان عالم من الوقواق مثلاً، بينما تجد بعضنا يردّ كلامه لمجرد أنه من المنطقة تلك. وقد ناقشنا هذا الموضوع مع أحد علماء بيت الشثري وسألنا: لماذا شعب المملكة على رغم توحيده تحت لواء دولة واحدة منذ 70 سنة، إلا أن عدداً من أبنائه حتى لا يتقبل بعضه، وهذا أمر نشاهده بين العلماء فما بالك بالعامة.
> هل نالك شيء من هذا؟
- بلا شك، نالني من ذلك الكثير، ولولا أنك تريد شيئاً للنشر لأخبرتك!
> لكنني في ما شاهدت وسمعت وقرأت لم أجد إلا الثناء عليك؟!
- الحمد لله هذا من فضل الله، ولكن هناك من لا ينظر إليك على أنك قارئ ومتمكن... إلخ، ولكن ينظر إليك بعين أخرى، ويتمنى لو أن ما أنعم الله به عليك حازه شخص آخر، على غرار قول المشركين: «لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم»، ولكن الله ردّ عليهم بقوله: «أهم يقسمون رحمة ربك»؟ هذا هو الواقع وليس الكل. وبالمناسبة كنت في بريطانيا بعد رمضان وقابلت امرأتين أسلمتا بعد أن رأتاني أؤم المصلين في الحرم، فقالوا ما وصلت إليه من مكانة دليل على أن هذا الدين لا يفرق بين أبيض وأسود!
> ألا تزعجك المقارنة الحاضرة في الإنترنت بينك وبين أوباما، في وصول كل منكما إلى أمر «شبه معجزة»؟
لا لا، لا تزعجني بالعكس، فأنا بصراحة أعتبر قرار الملك عبدالله في قمة الشجاعة، ولم يسبق إليه في ما أعلم.
> لماذا... ألست قارئاً وسعودياً بامتياز؟
- بالطبع أنا قارئ وسعودي، لكن لم يسبق أن تعيّن في الحرم المكي أحد بمثل حالتي في اللون والأصل (على قولهم) والدراسة، ونحو ذلك من مفارقات كثيرة.
> هل هذا يعني أنك تفاجأت بالقرار ولم تكن تتوقعه؟
- فاجأني جداً لأنه لم يكن طموحي، أما مَنْ حولي فكثيراً ما كنت أسمع أنهم يتمنون هذا، وفي الجانب الآخر هناك استبعاد لمثل هذا الأمر للاعتبارات السابقة، ومن هنا استغربت حين وقع عليّ الاختيار، ولكن خادم الحرمين بدّد هذا فجعل أئمة الحرم يترجمون عملياً توجهه في المساواة بين أبنائه، فتجد الأئمة من الشرائح كافة.
> وعلى أي شيء يدل هذا في نظرك؟
- يدل على توجّه القيادة العليا، ولكن هل سيستطيع المجتمع بوتقة نفسه على تقبّل هذا؟ هذا ما سيكون أعظم إنجاز بألا ينظر إلى هذا على أنه زيد وللآخر على أنه عبيد، بل أن نكون كلنا سعوديين، وتعيين الأئمة على هذا الأساس بداية الطريق.
> ماذا كنت تفعل في بريطانيا؟
- كان هناك مؤتمر للسلام تقيمه قناة «الإسلام تشنل» فحضرنا معهم، وكانت مدة المؤتمر يومين، ثم قمنا بزيارة بعض الجاليات الإسلامية هناك والتقينا ببعض الإخوة وصلينا ببعض المساجد، وكانت تجربة جميلة.
> ماذا قال من كان يؤمن بكفاءتك لكنه لم يتوقّع هذا الأمر؟
- كانوا فرحين من أجلي كثيراً، ومنهم من قال أخيراً افتكروك، ومنهم من أرسل لي رسالة تحوي صورة أوباما ويقول هذه «مسيرة الخوال» يعني السمر أوباما في أميركا والكلباني في الحرم، كما علّق على هذا الأمير خالد بن طلال في رسالة شخصية.
> أبديت إعجابك قبل قليل بما سميته تطبيق الإسلام على الطريقة الأميركية، ورأينا كيف تهلل الكون بفوز أوباما، فلماذا لا ينظر إلى تعيينك في الحرم بالمستوى نفسه... أم أن العرب والمسلمين لا يبصرون إلا حسنات غيرهم؟
- (ضاحكاً) لأن هذه عقدة المسلمين أي شيء يأتي من الغرب يكون الأفضل، وإلا فعلاً أنا أرى أن تعييني إماماً للحرم لا يقل أهمية عن تنصيب أوباما عدالة وكسراً للسائد منذ زمن، بل أعظم، فمكانة الحرم وتشريف الإمامة فيه لدى المسلمين أعظم بألف مرة من رئاسة أميركا.
> كيف كانت قصة تعيينك في الحرم؟
- من المعتاد أن أجتمع مع بعض الإخوة الذين أعتبرهم «شلتي» كل ليلة خميس في مخيم خارج الرياض، وفي تلك الليلة سبحان الله دار بيننا حوار عن الحرم، وكان السؤال حول مداعبة لأحد الأمراء الكرام مازحني فيه بأنني لو أترك دعاء معيّناً لربما حظيت بإمامة الحرم، وهو دعاء يعترض الأمير عليه، ويرى أنه غير مأثور، فكنت احكي للإخوان هذه القصة وقد تركت الدعاء منذ قال لي ذلك، لا لإمامة الحرم ولكن من باب أنك قد تدعو بــشيء فــــيفهمه الناس على غير ما أردت.
وعندما أصبحنا وكنا طبعاً في رمضان وكنت نائماً في الصباح وارى اتصالات متوالية تأتيني من مكة مرة من ثابت، ومرة من جوال، فظننت المتصل واحداً ممن يقدم المعاريض ومصر على الاتصال، فلما قمت لصلاة الظهر وجدت رسالة تقول ان الشيخ صالح الحصين يود التحدث إليك نرجو الاتصال بالرقم، فظننت انه يريدني للحرم المدني، ففي الحرم المكي الأئمة كثر، وحين تحدثت إليه أبلغني بأنه صدرت توجيهات من الملك بان تشارك في صلوات التراويح في مكة هذا العام، فشكرته وأبلغته شكري للملك على هذه الثقة، وسألته متى علي الذهاب فقال لي فوراً، فانتظرت حتى أُرسل لي أمر تعميدي في الحرم بالفاكس، واتصلت على أحد الإخوة في المطار فحجز لي الساعة الرابعة والنصف، واتصــــلت بمنسقي وأخبرت أهلي بالخبر لكن حذرتهم من أن يخبروا أحداً حتى أعلم ما الأمر، وحين وصلت جدة فإذا بالاتصالات تنهــــال علي من يبارك، ومن يتأكد، وتفــــاجأت بأن الخبر منتشر والنــــاس علمت به ربما قـــبلي. وصلنا مكة بعد المغرب وقابــــلت الشيخ الحصين وأعطـــاني التوجيه وجدول الصلاة وبعد صلاة التراويح اجتمعنا بالمشايخ.
> هل أنت راض عن الجدول الذي كلفك به الشيخ؟
- على ما اعتقد لم يكن ذلك الجدول من الشيخ وإنما أمر ملكي، وقال الشيخ ان التوجيه صدر بهذا الشكل، التعيين في الحرم أمنية، فكنت أقول أريد أن أتعين في الحرم حتى لو أصلي على الجنائز، قالوا لي لماذا تألقت في الأخير وكأنك كنت مضطرباً في البداية، وبالفعل أنا كنت مضطرباً ولا أجيد إلا عندما استرسل في القراءة، فعندما يقرأ الشيخ سعود الشريم بصوته الرخيم، ويقرأ بعده الشيخ عبدالله الجهني بطبقته العالية آتي أنا لأقرأ فابدأ بهدوء حتى ادخل لجو قراءتي، لكن في العشر الأواخر كنت أنا من يبدأ فأقرأ مباشرة بعد العشاء بتلاوتي وجوي، وكنت لا أطيل فما كنت اقرأه في تسليمتين اقرأه في الرياض في ركعة واحدة.
> ألم تتساءل ماذا وراء هذا التعيين؟
- أنا ذكرت في تصريح لإحدى الصحف المحلية أنني أشكر الأمير سلمان لأنه الإنسان الذي يجب علي شكره وله علي فضل لا يوازيه إلا فضل الملك، وأول ما تعينت كان لابد أن اتصل عليه واشكره، وكان لابد أن يكون لديه علم، فلما كلمته قال لي أنا أصلاً ذكرتك عند الملك العام الماضي فزاد الشكر شكرين، ولا استغربها منه حتى انه قال لي أنا أحب صوتك ويبعثني على الخشوع، وللمرة الأولى اسمعه يثني علي. ولكنني متأكد من أن للأمير سلمان دوراً في هذا، وللشيخ صالح أيضاً وان كان لم يصرح به لزهده ولم يسبق لي أن قابلته إلا عندما ذهبت لمكة لإمامة الحرم، وهو من العلماء القلائل الذين يطبقون سلامة القلب عملياً.
> ألم تذهب للسلام على الملك في الحرم؟
- لا، لم اذهب للسلام عليه في الحرم، ولكن الملك دعانا للإفطار عنده، وبعد الإفطار صلينا ورأيت حفاوة من الملك ومن جميع من في الديوان، وقابلت الأمير خالد الفيصل، وعندما جئت لأعرفه بنفسي قال لي معروف ما يحتاج والحمد لله الذي أتى بك عندنا، ولا أنسى حقيقة ابتسامته المشرقة، ولا أخفيك أنني تفاجأت بحفاوته البالغة، ودماثة خلقه ولطفه وحسن استقباله لي، كأنه يعرفني زمناً طويلاً!
> لماذا تفاجأ، أليس أمير مكة وابن الملك فيصل؟
- كل هذا حاضر في ذهني، ولكنك عندما تقابل شخصاً فكرتك عنه انه كذا وكذا، فتفاجأ بأن الواقع مختلف تماماً عما في ذهنك، فإنك تندهش.
ومن ضمن الذين فاجأوني أيضاً وزير الإعلام إياد مدني، فقد كنت جالساً بين وزير الشؤون الاجتماعية وسفيرنا في لبنان عبدالعزيز خوجة، فجاء وزير الإعلام حتى وقف علينا قاصداً إياي، فطلب من خوجة أن يزحف، فجلس بيني وبينه، ودار بيننا حديث مليء بالحب والمودة التي لم أنتظرها في حقيقة الأمر، لكثرة ما شحننا أصحاب القيل والقال ضد هذا الرجل الرائع، ولهذا لما رأوني أضحك مع إياد مدني في إحدى الصحف انتقدني بعض المتحمسين، وقالوا لماذا تضحك مع هذا الذي فيه وفيه، فقلت والله هذا الرجل وجدت فيه أنساً ولطافة ومودة».
> وماذا بعد من المواقف المثيرة في الديوان؟
- كما قلت وأكرر الأمير سلمان في كل مناسبة يثبت لي أنه إنسان من طراز فريد، قابلني في الديوان ووجه يتهلل سروراً لأجلي، وكان معه الأمير خالد الفيصل، فقال الأمير سلمان لابن أخيه: «هذا إمامنا المنتدب عندكم»، فقال له الأمير خالد معروف، وضحكنا جميعاً. وقرأت في وجه الأمير سلمان فرحاً وفخراً عجيبين من أجلي. كنت في السابق أعلم أن الأمير سلمان يحبني، ولكنني حين عينت إماماً للحرم، تفجّر ذلك الحب على نحو لا مثيل له، كـــما بدا على وجهه وحفاوته وكلماته.
ومن المواقف التي تسأل عنها وقد تهمك هو أنني بينما كنت جالساً مع الملك والأمراء والوزراء وعلية القوم على سفرة الإفطار ناجتني نفسي: ماذا أتى بك بينهم ولم أجد في نفسي قاسماً مشتركاً بيني وبينهم، لا مال ولا جاه ولا منصب، فعلمت في نفسي انه لم يأت بي بينهم إلا القرآن، أسال الله أن يجعله حجة لنا. ومن المواقف كذلك أنني عند الدخول لم أر أحداً يقبل الملك أو يقبل أنفه، وإنما فقط يصافحونه، ففعلت مثلهم، ولكن عند الخروج قلت أنا لا تكفيني المصافحة، فهذا الرجل العظيم منحني شرفاً لا يوازيه شرف فكيف أكافئه؟ لا بد من عمل شيء.
> لماذا لم تتكلم معه وتشكره؟
- والله لم يكن هناك مجال لذلك، لكن عند ذهابي سلمت عليه ودعوت له، وقبلت أنفه ولم أر أحداً فعل هذا ممن كان معي، ولو كنت أظن انه سيقبل أن اقبل يده لكنت قبّلتها.
>بصراحة عندما جئت للحرم ألم تحس أن الدور الذي كلفت به أقل من شأنك؟
- قراءة نعم، كل الحرم كان أقل من شأني لأن منهجي في الرياض مختلف عن الحرم، ولكن لا شك أنني كنت أتمنى لو أن نصيبي من التراويح كان أكثر حتى أخرج أحسن ما عندي، ولكن كل ما يقال عن أنهم كانوا يضايقوني في أوقات الصلاة وفي الدعاء غير صحيح، لم يكن هناك توجيه بهذا ولا تدخل في وقت التلاوة والدعاء ولكن القصر مطلوب بحكم الجموع.
> بالنسبة إلى المشايخ في الحرم، وأعني الأئمة كيف كانت مواقفهم معك؟
- كلهم بلا استثناء هنأوني، لكن تميز منهم الشريم وهذا إحساسي.
> أي أصحاب مهنة لا بدّ من أن يكونوا متنافسين، وحتى بين المشايخ والقراء لا بدّ من وجود شيء كهذا، ألم تشعر بشيء من التنافس مع أحد؟
- والله أبداً لم أشعر بشيء من هذا. والقلوب علمها عند الله لكن ما ظهر لي من التعامل وتعابير الوجوه لم أر فيها شيئاً من هذا، بل على العكس ما رأيت إلا الترحيب والفرح، والشيخ الشريم عزمني عنده مرتين مرة في رمضان وأخرى بعد رمضان.
> في ظنك ما القاسم المشترك بينك وبين الشريم؟
- حب القران، والقلوب جنود مجندة، كما أنني كنت على اتصال معه قبل الحرم.
> في مسألة الدعاء عرف الناس عادل الكلباني بأنه لم يتميز بالتلاوة فقط ولكن في الابتكار في الدعاء أيضاً، فلماذا كان أداؤك في هذا الاتجاه باهتاً في نظر البعض؟
- السر في الموقع، فهناك أدعية لا تصلح للحرم، ومشكلة الحرم عالميته وحساسيته، فالحرم حجّم من حريتي في الدعاء ولم يكن هذا بتوجيه ولكن اجتهاد مني، وبالنسبة إلى دعائي فأنا أجمع ما يعجبني منها من شتى الكتب وأتعب في ذلك كثيراً.
السديس عرض عليّ ليلة الـ27... وهذا سِر دعائي للملك عبدالعزيز
> هل ابتكرت شيئاً جديداً في دعواتك في الحرم؟
- أعتقد أنني أول من دعا للملك عبدالعزيز في القنوت، قد يدعو غيري لولي الأمر، والأمراء، والوزراء ولكن للملك عبدالعزيز أنا أول من دعا له، قد يقول أناس أنني أتزلف بذلك للملك، وأنا لا أجد حرجاً في التزلف لشخص أحسن إلي كما لم يفعل أحد قط. ولكن دعائي للملك عبدالعزيز له قصة، وهي أنني كنت أصلي الفجر في الدور العلوي من الفندق المطل على الحرم، فأرى كل منطقة الحرم أمامي، فهالني مشهد جموع المصلين تخرج من الحرم وكان منظراً مؤثراً ومهيباً، فقلت في نفسي ما الذي جعل المصلين يتدفقون بهذه الكثرة وهم في أمان إلا جهود الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد وزرع الأمن والأمان، وكان ذلك بالمناسبة يتوافق مع ذكرى التوحيد فكنت أريد أن أدعو للملك من دون أن يشعر الناس أنه بمناسبة ذكرى التوحيد حتى لا يظنوا أن الحكومة من أملت علي ذلك فكان في آخر يوم دعوت فيه قبل العشر.
ومن المواقف في هذا الصدد اتصل بي الشيخ عبدالرحمن السديس، وقال نريدك أن تشترك معنا في الدعاء وأريدك أن تدعو ليلة 27 فقلت له: إن الناس اعتادوا على السديس في هذه الليلة، فقال لي كما اعتادوا عليه يعتادوا على غيره، وهذا موقف يُحسَب له، وأكبر دليل على أنه لم يكن بيننا ما كان يعتقده الناس من أن بيننا غيرة وأن السديس قد يكون متضايقاً من مشاركتي له.
> هل هناك من توقع أنك في الدعاء ستنافس السديس؟
- السديس من أعمدة الحرم في كل شيء ليس فقط الدعاء، فهو شخص له 25 سنة في الحرم، والناس السديس بالحرم على الأقل الجيل الجديد، وحتى وقت الختمة كانت تأتيني الاتصالات تسأل: هل أنا من سيختم، وأنا لم أفكر في هذا مع وجود الشيخ السديس، حتى إني خشيت من هذا مع كثرة الأقاويل وقلت: الله يستر وحمدت الله أن مر الموضوع على خير، حتى بعد مكالمة السديس فأنا لم أكن أريد أن أكسر ما اعتادوه أو حتى لو كسر فيكسر بغيري.
> هل خشيت من داء الغيرة؟
- والله الشيطان له مداخل، هذا أولاً، وثانياً حتى لا أصاب بالعجب لأني أول إمام أسود، وأول إمام ليس بخريج، وأول إمام صلى في أول يوم وصول وأوتر، فلما تكمل بالختم وفي أول سنة إمامة تصبح فتنة لي، ومن فضل الله عليّ أنها لم تحدث خصوصاً مع وجود السديس عمود الحرم - أطال الله بقاءه - وان شاء الله نحن من أهل القرآن وحتى لو وجد شيء من التنافس فلن يكون تنافساً بالمعنى الشائع.
> بصراحة من تراه من أئمة الحرم قدوة لك أو تتمنى الوصول إلى مكانته، مع احترام البقية طبعاً؟
- في الأئمة من كان يعجبني جداً هو الشيخ الحذيفي وحتى في قراءتي تجد شيئاً من التأثر به، وأما أئمة الحرم المكي فكل واحد منهم يتميز بميزة لكن ليس بينهم شخص أعتبره قدوة لي. الشريم مثلاً يتميز برقة القلب وسرعة الدمعة والمعيقلي مثلاً أرتاح للصلاة معه على رغم ملاحظاتي الكثيرة على تجويده لكني أشعر أن تلاوته تؤثر فيّ، والجهني عنده الملكة التي تؤهله لأن يكون أفضل مما هو عليه الآن بكثير، من حيث خامة الصوت والتنغم، لكنه في التراويح لا أعلم ما يعتريه، أشعر وكأنه يريد أن ينتهي سريعاً.
> لمن تتوقع أن يكون له مستقبل في الحرم من الأئمة الموجودين الآن باستثناء السديس والشريم فقد تجاوزا القنطرة؟
- أتوقع مستقبلاً مشرقاً لماهر المعيقلي وعبدالله الجهني، ولكن عليهما تطوير نفسيهما من حيث التلاوة والوقف والابتداء، وإلا الخامة الصوتية موجودة.
> وماذا عن مستوى أئمة الحرم قرّاءً؟
- الحرم يضم خامات صوتية مميزة نعم، لكن قراءً لا، لأنك إذا جئت للفن التجويدي لا يوجد تجويد، ومخارج الحروف فيها الكثير من الأخطاء، وتذهب مع النغمات. ولكن مع ذلك ليس المهم التجويد المهم الوصول إلى قلب المستمع وهذا حاصل منهم.
> ألا يمكن أن يجتمع الاثنان معاً؟
المفروض أن يجتمع الاثنان معاً، لأن في الحرم يجب أن يكون كل شيء على أكمل وجه ويستطيع الموجودون فعل ذلك، ولكن كما قال الشاعر: ولم أر في عيوب الناس عيباً / كنقص القادرين على الكمال. وأنا في الحرم خطرت إلي فكرة أنه لو يُحضّر لأئمة الحرم شخصيات من كبار القراء في العالم للرفع من مستوى أدائهم، وهؤلاء القراء متوفرون في مجمع الملك فهد في المدينة المنورة وبكثرة، ويطلب من الأئمة أن يقرأ كل منهم على القراء المتمكنين في السنة مرتين أو ثلاثة، لو تم تنفيذ هذه الفكرة لانتهت المشكلة.
>إمام الحرم الذي يقرأ هذا الحوار سيقول ماذا عنك...؟ هل تعتبر نفسك ممن جمع بين الأمرين؟
- أنا قرأت على أئمة كبار كثيرين، قرأت على الشيخ أحمد مصطفى، وعلى الشيخ الزياتي أيضاً جزءاً من الروم إلى الأحزاب، وقرأت على تلاميذه وهم أحمد مصطفى ومحمد أبو وراش وعلى الشيخ محمد عبدالحميد وما زلت حتى الآن أقرأ، ولا أرى في ذلك قضية وإنما هو مجرد عرض على الشيخ ليعــــرف القارئ كيف يقف وأين، لأن الحرم قمة أو مركز العالم الإسلامي والإمام الذي فيه يجب أن يكون كل شيء فيه مميزاً، ويجب أن يبقى مميزاً والتميز هذا يحتـاج إلى جهد بسيط، لأن الخــــامة موجــودة، فالسديس مثــــلاً إذا قرأ بصوت هادئ وحدر له انسيابية عجــــيبة لا تضاهى، لأن نغمة صوته من أجمل ما يمكن
محبكم.......توووووت........