انين الصمت
مراقبة عام
ألِف بعض المثقفين منذ زمن ما قبل التواصل، الحضور اليومي، بين جمهوره وطلابه، وقارئيه، وفي ظل الرقمية والتسارع الزمني، وقع البعض في حيرة الاختيار، بين العزلة والبعد عن المنصات، أو التماهي مع الفضاء الافتراضي التفاعلي، وبين رغبة الحضور المتمثلة في حرص البعض على الكتابة على منصة «X» وفيس بوك، والنشر عبر اليوتيوب، وسناب شات، وإنستغرام، والتيك توك، ما يوحي بالرهبة من الغياب والنسيان، وهنا استطلاع عدد من الكُتّاب والنقاد، إذ عدّ الناقد الدكتور صالح معيض الغامدي حضور المثقف في وسائل التواصل أحد أنواع الحضور في الحياة العامة، كونه يحضر في الفعاليات الأخرى، وفي الندوات، والمؤتمرات، والمجالس وغيرها، ويرى أن هذا شأن الأغلبية من المثقفين «وهو منهم»، لافتاً إلى أن الشعور بالعزلة ربما يخامر فئة قليلة إلا أنها لا تشكل ظاهرة لافتة، مشيراً إلى أن الحضور المكثف للمثقفين في وسائل التواصل هو مسايرة من هؤلاء المثقفين لوسائل التواصل الاجتماعي التي فرضت نفسها بقوة بوصفها الآن من أكثر أنواع التواصل نجاعة وربما أثراً وتأثيراً.
ويرى أستاذ الإعلام الجديد الدكتور سعيد الدحية أن الثقافة بطبيعتها نخبوية، ومهما توهمنا أن المثقف أصبح نجماً جماهيراً، فهو في حقيقة الأمر لم يصل إلا إلى دائرة أكبر قليلاً من دائرة النخبة التي هو فيها، بل حتى هذا الاتساع القليل لا يتجاوز إطار النخب، لافتاً إلى أن الشعبوية والثقافة ضدان لن يلتقيا.. وفي كلٍ خير وحياة وعوالم تشبع الحاجات وتحقق الذات والمستهدفات وتؤدي الدور.
وذهب الأكاديمي الدكتور أحمد صالح السعدي إلى أن علينا في البداية تحديد حضور المثقف في وسائل التواصل، هل هو حضور إعلامي أم حضور ثقافي، وإذا كان حاضراً بكتاباته الثقافية، فعلينا أيضا تحديد نوع الكتابة وما تشي به من دلالات. وأضاف: عموما يبقى شعور المثقف بالقلق طبيعياً مقارنة بغيره، فهو يستشعر أكثر من غيره أنواعاً من القلق ربما تكون رافدة لثقافته وإبداعه، بل إن بعضهم يرى في وسائل التواصل تأكيداً للعزلة والانزواء أكثر من وسائل غيرها، نظراً لطبيعة الكتابة والنشر في هذه المنصات التي لا تسمح للذاكرة بأن تحملها لمديات زمنية بعيدة، فيكون حضوره في وسائل التواصل ليس لجوءاً بل نفياً للجوء، ونقداً لطبيعتها المؤقتة التي جعلت من الإنسانية أشياء للعرض والاستهلاك.
ويذهب الكاتب محمد السحيمي إلى أن حضور المثقف بمواقع التواصل الاجتماعي خطوة غير محسوبة العواقب كونه تخلى عن مسؤوليته في قيادة الجماهير وتنويرها وتركها للجماهير ذاتها التي فرحت كثيراً في البداية بالانعتاق من كل القيود الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والدينية، إلا أنها أدركت بعد فوات الأوان أنها تركض خلف سراب فتلفتت تبحث عن قدوة تعيد لها البوصلة فإذا المثقف يركض معها على غير هدى!
ولفت إلى أن السوشيال ميديا أخرجت أضغاننا وفضحت ضحالة كثير من مثقفينا، وبدل أن نعترف بالمسؤولية ونحاول التكفير عن خذلاننا لأبنائنا وأحفادنا أخذتنا العزة بأن التفاهة ظاهرة عالمية لا حول لنا فيها ولا قوة! وعدّ ذلك تبريراً ينزع ورقة التوت عن تفاهة أعمق، إذ إننا لا نتعلم من أخطائنا المتكررة، بدليل أننا ما زلنا مستهلكين عالة على المنتج الخارجي حتى في صناعة ثقافتنا وهويتنا الفكرية!
وأضاف: أنا متفائل جداً لأن المنتج الخارجي للسوشيال ميديا ماضٍ بجدية في تجفيف منابع الوهم، ومقارنة بين أرباحها الفلكية قبل عامين وأرباحها اليوم تزيدنا تفاؤلاً!
أما إن سألوك يا صديقي الجميل: هل تعرف أحداً لم يتأثر بالسوشيال ميديا؟ فقل لهم نعم: محمد السحيمي ديناصور لم يفتح حساباً في أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي!
فيما لا يرى الأكاديمي الدكتور شتيوي الغيثي في حضور المثقف أو الأديب في وسائل التواصل مقاومة للنسيان بقدر ما أنه فضاء مفتوح في غياب الفضاءات التي كان يكتب فيها سابقاً، والدليل غياب بعض المثقفين وعدم حضورهم الفاعل في مثل هذه المنصات إلا أن هناك عدداً من المثقفين فتحت له وسائل التواصل فرصة للحضور أكثر ولقاء جمهور أوسع، ربما ليس هو ذات الجمهور الذي كان في السابق، بل جمهور مباشر يستطيع معه التفاعل حتى لو بأيقونة إعجاب جاهزة فضلاً أنها فتحت أطراً ثقافية خارج بلادنا. وأضاف الغيثي: لا أعرف عن نوايا بعضهم الذي ربما كانت فكرة الحضور مقابل الغياب هي المحرك الأساس، إلا أن هذا الأمر سيكون مكشوفاً من خلال ما يمكن أن يطرحه الأديب أو المثقف، إذ إن بعضهم انكشف وعيه المحدود أمام الجمهور الجديد لذلك، وعدّ فكرة الاعتماد على الحضور كي لا ينسى «فكرة» ليست ذات قيمة لأنك أمام حالة من اللحظية السريعة في وسائل التواصل، فإن لم تقدم ما يستحق فإنك في الأساس ستُنسى سريعاً سواء بقيت أو اختفيت. وزاد: أعرف أدباء كانوا ضمن إطار النخبة فيما سبق ومقروئيتهم كانت محدودة بعدد من النقاد الذين يعرفهم، إلا أنهم مع وسائل التواصل استطاعوا أن يصلوا إلى جمهور أوسع وبعضهم أصبح نجماً جماهيراً في حين اختفت نجومية بعضهم الآخر لأن تلك النجومية كانت وفق أساليب قديمة ربما لا تتناسب مع الوضع الجديد في وسائل التواصل الحديثة.
وتؤكد أستاذة الإعلام الدكتورة مها عبدالمجيد أن تفاعل المثقفين العرب مع منصات التواصل الاجتماعي من الحسنات القيمة لتلك المنصات، سواء على مستوى تمديد وتوسيع نطاق من يتلقون النتاج الفكري لهؤلاء المثقفين، في مجالات متنوعة وفق اهتماماتهم المختلفة، أو على مستوى فتح فرص حقيقية أمام المثقفين أنفسهم للتفاعل مع الناس تفاعلاً مباشراً يكسر قيود النخبوية التي اتسمت بها وسائل الإعلام على مر السنين.
وترى في منصات التواصل الاجتماعي صورة من الواقع الكبير الذي نحياه، ولعلها أكثر واقعية وقرباً منه، مقارنة بالواقع الذي تقتطعه وسائل الإعلام أحياناً، وتجتزئه وتسلط الضوء عليه. وأضافت: لا أعتقد أن الخوف من انطفاء الأضواء أو من خفوت الشهرة، ما يدفع المثقف «الحقيقي» للحضور والتفاعل مع الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي، كون صاحب الفكرة والمبدأ وصاحب الوعي يؤمن أن له دوراً في نشر ذلك، وفي توصيله للناس وفي مساعدتهم على استجلاء ما هو غامض، كما أنه مهموم بهم فلا يمكن أن يسد أذنيه ويغمض عينيه عن سيل النقاشات والموضوعات الحياتية التي تمتلئ بها تلك المنصات.
وضربت مثلاً بحسابات على منصات التواصل الاجتماعي لكبار الأدباء والشعراء والفنانين والسياسيين والمفكرين، الذين غدا لهم جمهور من فئات عمرية شابة ربما لم يعرفوا عنهم إلا بعد ظهورهم على تلك المنصات، مشيرةً إلى أن كل وسيلة اتصال تمكّن المثقف الواعي أن يوظفها للوصول إلى جمهوره، إيمانا منه بقيمة أفكاره ودورها ومسؤوليته في تحسين فكر ووعي الناس، وتتيح الخروج من دائرة الاختيارات النخبوية الضيقة والمعدودة التي غذتها وسائل الإعلام سابقاً، ما يعزز نجاحها وقوة تأثيرها، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار تفاوت تلك المنصات حسب خصائصها وسماتها الاتصالية.
وتدعو الناقدة نهلة فيصل الأحمد إلى النظر للأمر من ناحية أخرى، فالمثقف يحتاج إلى الحضور المكاني والورقي وإلى المنبر ليوصل رأيه أو إبداعه إلى الجمهور، وعدت اختلاف الوسائل والوسائط لا يشكل قلقاً بالنسبة له، فالكتاب أو الجريدة أو المجلات الورقية والمنابر المسرحية أو القاعات في المراكز الثقافية، تحولت ليس بشكل تام طبعاً إلى منصات ومواقع وصفحات ووسائط تواصل جديدة لها علاقة بالتطور التقني، فما يكتبه بالحبر وما يقوله على المنبر أو في قاعة يستطيع إيصاله ومن موقعه من غرفته أو من حديقة عامة أو من مركز أو من مقهى من وراء شاشة الجوال أو اللاب توب أو الكومبيوتر، فيصبح أكثر انتشاراً وأكثر حضوراً وهذا بحد ذاته ما يريده أن تصل كتاباته وآراؤه إلى شريحة معينة أو إلى شرائح مختلفة من الجمهور المتلقي في ظل سهولة التواصل عبر الوسائط الحديثة الكثيرة والمتنوعة، تماهياً مع قانون التطور، وترى التطور التقني إيجابياً وقضى على قلق المثقف في الظهور والانتشار.
فيما قلب الكاتب غانم الحمر السؤال، وقال: أعتقد أنه لو كان السؤال: هل يُشعِر عدم حضور المثقف بمواقع التواصل، بالقلق من الانزواء وابتعاد الأضواء عنه؟! لكان منطقياً! كون مواقع التواصل أحيت الأموات من المثقفين فأصبحنا نرى كل يوم أدباء ومثقفين وعلماء مثل القصيبي ومصطفى محمود وعلي الطنطاوي. وأضاف: هناك من انزووا وحق لهم أن يقلقوا من عزلتهم في وسائل الإعلام التقليدية من صحف وتلفزيون وإذاعة! ولفت إلى أن المثقف يظل صاحب الكلمة المؤثرة وشمساً ستظهر ولو حجبتها السحب، ولو بعد حين. فيما قال الكاتب خالد محمد الحسيني: ربما شعور بالقلق والحرص على الحضور والتواجد ويمكن أن يكون الظهور لرغبة في إضافة معلومة أو تصحيح خطأ، وعدّه أمراً مطلوباً خصوصاً فيما يتعلق بالقواعد الشرعية أو الأنظمة، إلا أنه يرى المشكلة في أن بعض هؤلاء تشعر أن ظهوره لا جديد فيه بل هو للمشاركة وإضافة شخصه. وعدّ حضور بعض الأسماء المعروفة ممن لهم مُشاركات سابقة تحصيل حاصل، ولا يُضيف لهم إلا إذا كان الظهور رغبة في استمرار التواصل والبقاء وخوفاً من الغياب، لافتاً إلى أن حرية المساحة وسهولة النشر في «X» وفيس بوك وغيرها مكّنت من استمرار الكتابة لنقرأ لهم بشكل دائم في كل المناسبات. ويرى أن من الأسباب الرغبة في التوضيح بحكم التخصص أو الاهتمام أو الخوف من الابتعاد عن وسائل النشر، كونه اعتاد الحضور عبر القنوات الفضائية والفيس و«X» وبقية المجموعة على مدار الساعة. وقال الحسيني: الأمر يعود لرأي ورؤية المثقف وتفسيره، وما يجده في المقابل من تجاوب من الناس ما يدفع بعض هؤلاء لمواصلة الحضور، كون عدد المتابعين شهادة بضرورة حضوره وأهميته!
فيما قال التربوي عبدالله أبو عالي: المثقف في وسائل التواصل وتفاعله أمر إيجابي ومهم، ويفترض أن المثقف كائن متجدد، وعدّ تفاعله مع الوسائل رافداً وداعماً لما يطرح وما يقرأ، وآلية للتعرف على نتاج كثير من المبدعين ومعرفة آرائهم حول عدد من القضايا ذات الأهمية، مما كان الاطلاع عليه في السابق محصوراً على ما ينقله الأصدقاء وما يتحاورون بشأنه في اللقاءات الأسبوعية أو عبر الملاحق والدوريات المتخصصة، وعدّ الوسائل معياراً دقيقاً لتقييم ما نقرأ، إن كان وفق نسق حواري ممنهج وصادق.
ويرى أستاذ الإعلام الجديد الدكتور سعيد الدحية أن الثقافة بطبيعتها نخبوية، ومهما توهمنا أن المثقف أصبح نجماً جماهيراً، فهو في حقيقة الأمر لم يصل إلا إلى دائرة أكبر قليلاً من دائرة النخبة التي هو فيها، بل حتى هذا الاتساع القليل لا يتجاوز إطار النخب، لافتاً إلى أن الشعبوية والثقافة ضدان لن يلتقيا.. وفي كلٍ خير وحياة وعوالم تشبع الحاجات وتحقق الذات والمستهدفات وتؤدي الدور.
وذهب الأكاديمي الدكتور أحمد صالح السعدي إلى أن علينا في البداية تحديد حضور المثقف في وسائل التواصل، هل هو حضور إعلامي أم حضور ثقافي، وإذا كان حاضراً بكتاباته الثقافية، فعلينا أيضا تحديد نوع الكتابة وما تشي به من دلالات. وأضاف: عموما يبقى شعور المثقف بالقلق طبيعياً مقارنة بغيره، فهو يستشعر أكثر من غيره أنواعاً من القلق ربما تكون رافدة لثقافته وإبداعه، بل إن بعضهم يرى في وسائل التواصل تأكيداً للعزلة والانزواء أكثر من وسائل غيرها، نظراً لطبيعة الكتابة والنشر في هذه المنصات التي لا تسمح للذاكرة بأن تحملها لمديات زمنية بعيدة، فيكون حضوره في وسائل التواصل ليس لجوءاً بل نفياً للجوء، ونقداً لطبيعتها المؤقتة التي جعلت من الإنسانية أشياء للعرض والاستهلاك.
ويذهب الكاتب محمد السحيمي إلى أن حضور المثقف بمواقع التواصل الاجتماعي خطوة غير محسوبة العواقب كونه تخلى عن مسؤوليته في قيادة الجماهير وتنويرها وتركها للجماهير ذاتها التي فرحت كثيراً في البداية بالانعتاق من كل القيود الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والدينية، إلا أنها أدركت بعد فوات الأوان أنها تركض خلف سراب فتلفتت تبحث عن قدوة تعيد لها البوصلة فإذا المثقف يركض معها على غير هدى!
ولفت إلى أن السوشيال ميديا أخرجت أضغاننا وفضحت ضحالة كثير من مثقفينا، وبدل أن نعترف بالمسؤولية ونحاول التكفير عن خذلاننا لأبنائنا وأحفادنا أخذتنا العزة بأن التفاهة ظاهرة عالمية لا حول لنا فيها ولا قوة! وعدّ ذلك تبريراً ينزع ورقة التوت عن تفاهة أعمق، إذ إننا لا نتعلم من أخطائنا المتكررة، بدليل أننا ما زلنا مستهلكين عالة على المنتج الخارجي حتى في صناعة ثقافتنا وهويتنا الفكرية!
وأضاف: أنا متفائل جداً لأن المنتج الخارجي للسوشيال ميديا ماضٍ بجدية في تجفيف منابع الوهم، ومقارنة بين أرباحها الفلكية قبل عامين وأرباحها اليوم تزيدنا تفاؤلاً!
أما إن سألوك يا صديقي الجميل: هل تعرف أحداً لم يتأثر بالسوشيال ميديا؟ فقل لهم نعم: محمد السحيمي ديناصور لم يفتح حساباً في أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي!
فيما لا يرى الأكاديمي الدكتور شتيوي الغيثي في حضور المثقف أو الأديب في وسائل التواصل مقاومة للنسيان بقدر ما أنه فضاء مفتوح في غياب الفضاءات التي كان يكتب فيها سابقاً، والدليل غياب بعض المثقفين وعدم حضورهم الفاعل في مثل هذه المنصات إلا أن هناك عدداً من المثقفين فتحت له وسائل التواصل فرصة للحضور أكثر ولقاء جمهور أوسع، ربما ليس هو ذات الجمهور الذي كان في السابق، بل جمهور مباشر يستطيع معه التفاعل حتى لو بأيقونة إعجاب جاهزة فضلاً أنها فتحت أطراً ثقافية خارج بلادنا. وأضاف الغيثي: لا أعرف عن نوايا بعضهم الذي ربما كانت فكرة الحضور مقابل الغياب هي المحرك الأساس، إلا أن هذا الأمر سيكون مكشوفاً من خلال ما يمكن أن يطرحه الأديب أو المثقف، إذ إن بعضهم انكشف وعيه المحدود أمام الجمهور الجديد لذلك، وعدّ فكرة الاعتماد على الحضور كي لا ينسى «فكرة» ليست ذات قيمة لأنك أمام حالة من اللحظية السريعة في وسائل التواصل، فإن لم تقدم ما يستحق فإنك في الأساس ستُنسى سريعاً سواء بقيت أو اختفيت. وزاد: أعرف أدباء كانوا ضمن إطار النخبة فيما سبق ومقروئيتهم كانت محدودة بعدد من النقاد الذين يعرفهم، إلا أنهم مع وسائل التواصل استطاعوا أن يصلوا إلى جمهور أوسع وبعضهم أصبح نجماً جماهيراً في حين اختفت نجومية بعضهم الآخر لأن تلك النجومية كانت وفق أساليب قديمة ربما لا تتناسب مع الوضع الجديد في وسائل التواصل الحديثة.
وتؤكد أستاذة الإعلام الدكتورة مها عبدالمجيد أن تفاعل المثقفين العرب مع منصات التواصل الاجتماعي من الحسنات القيمة لتلك المنصات، سواء على مستوى تمديد وتوسيع نطاق من يتلقون النتاج الفكري لهؤلاء المثقفين، في مجالات متنوعة وفق اهتماماتهم المختلفة، أو على مستوى فتح فرص حقيقية أمام المثقفين أنفسهم للتفاعل مع الناس تفاعلاً مباشراً يكسر قيود النخبوية التي اتسمت بها وسائل الإعلام على مر السنين.
وترى في منصات التواصل الاجتماعي صورة من الواقع الكبير الذي نحياه، ولعلها أكثر واقعية وقرباً منه، مقارنة بالواقع الذي تقتطعه وسائل الإعلام أحياناً، وتجتزئه وتسلط الضوء عليه. وأضافت: لا أعتقد أن الخوف من انطفاء الأضواء أو من خفوت الشهرة، ما يدفع المثقف «الحقيقي» للحضور والتفاعل مع الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي، كون صاحب الفكرة والمبدأ وصاحب الوعي يؤمن أن له دوراً في نشر ذلك، وفي توصيله للناس وفي مساعدتهم على استجلاء ما هو غامض، كما أنه مهموم بهم فلا يمكن أن يسد أذنيه ويغمض عينيه عن سيل النقاشات والموضوعات الحياتية التي تمتلئ بها تلك المنصات.
وضربت مثلاً بحسابات على منصات التواصل الاجتماعي لكبار الأدباء والشعراء والفنانين والسياسيين والمفكرين، الذين غدا لهم جمهور من فئات عمرية شابة ربما لم يعرفوا عنهم إلا بعد ظهورهم على تلك المنصات، مشيرةً إلى أن كل وسيلة اتصال تمكّن المثقف الواعي أن يوظفها للوصول إلى جمهوره، إيمانا منه بقيمة أفكاره ودورها ومسؤوليته في تحسين فكر ووعي الناس، وتتيح الخروج من دائرة الاختيارات النخبوية الضيقة والمعدودة التي غذتها وسائل الإعلام سابقاً، ما يعزز نجاحها وقوة تأثيرها، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار تفاوت تلك المنصات حسب خصائصها وسماتها الاتصالية.
وتدعو الناقدة نهلة فيصل الأحمد إلى النظر للأمر من ناحية أخرى، فالمثقف يحتاج إلى الحضور المكاني والورقي وإلى المنبر ليوصل رأيه أو إبداعه إلى الجمهور، وعدت اختلاف الوسائل والوسائط لا يشكل قلقاً بالنسبة له، فالكتاب أو الجريدة أو المجلات الورقية والمنابر المسرحية أو القاعات في المراكز الثقافية، تحولت ليس بشكل تام طبعاً إلى منصات ومواقع وصفحات ووسائط تواصل جديدة لها علاقة بالتطور التقني، فما يكتبه بالحبر وما يقوله على المنبر أو في قاعة يستطيع إيصاله ومن موقعه من غرفته أو من حديقة عامة أو من مركز أو من مقهى من وراء شاشة الجوال أو اللاب توب أو الكومبيوتر، فيصبح أكثر انتشاراً وأكثر حضوراً وهذا بحد ذاته ما يريده أن تصل كتاباته وآراؤه إلى شريحة معينة أو إلى شرائح مختلفة من الجمهور المتلقي في ظل سهولة التواصل عبر الوسائط الحديثة الكثيرة والمتنوعة، تماهياً مع قانون التطور، وترى التطور التقني إيجابياً وقضى على قلق المثقف في الظهور والانتشار.
فيما قلب الكاتب غانم الحمر السؤال، وقال: أعتقد أنه لو كان السؤال: هل يُشعِر عدم حضور المثقف بمواقع التواصل، بالقلق من الانزواء وابتعاد الأضواء عنه؟! لكان منطقياً! كون مواقع التواصل أحيت الأموات من المثقفين فأصبحنا نرى كل يوم أدباء ومثقفين وعلماء مثل القصيبي ومصطفى محمود وعلي الطنطاوي. وأضاف: هناك من انزووا وحق لهم أن يقلقوا من عزلتهم في وسائل الإعلام التقليدية من صحف وتلفزيون وإذاعة! ولفت إلى أن المثقف يظل صاحب الكلمة المؤثرة وشمساً ستظهر ولو حجبتها السحب، ولو بعد حين. فيما قال الكاتب خالد محمد الحسيني: ربما شعور بالقلق والحرص على الحضور والتواجد ويمكن أن يكون الظهور لرغبة في إضافة معلومة أو تصحيح خطأ، وعدّه أمراً مطلوباً خصوصاً فيما يتعلق بالقواعد الشرعية أو الأنظمة، إلا أنه يرى المشكلة في أن بعض هؤلاء تشعر أن ظهوره لا جديد فيه بل هو للمشاركة وإضافة شخصه. وعدّ حضور بعض الأسماء المعروفة ممن لهم مُشاركات سابقة تحصيل حاصل، ولا يُضيف لهم إلا إذا كان الظهور رغبة في استمرار التواصل والبقاء وخوفاً من الغياب، لافتاً إلى أن حرية المساحة وسهولة النشر في «X» وفيس بوك وغيرها مكّنت من استمرار الكتابة لنقرأ لهم بشكل دائم في كل المناسبات. ويرى أن من الأسباب الرغبة في التوضيح بحكم التخصص أو الاهتمام أو الخوف من الابتعاد عن وسائل النشر، كونه اعتاد الحضور عبر القنوات الفضائية والفيس و«X» وبقية المجموعة على مدار الساعة. وقال الحسيني: الأمر يعود لرأي ورؤية المثقف وتفسيره، وما يجده في المقابل من تجاوب من الناس ما يدفع بعض هؤلاء لمواصلة الحضور، كون عدد المتابعين شهادة بضرورة حضوره وأهميته!
فيما قال التربوي عبدالله أبو عالي: المثقف في وسائل التواصل وتفاعله أمر إيجابي ومهم، ويفترض أن المثقف كائن متجدد، وعدّ تفاعله مع الوسائل رافداً وداعماً لما يطرح وما يقرأ، وآلية للتعرف على نتاج كثير من المبدعين ومعرفة آرائهم حول عدد من القضايا ذات الأهمية، مما كان الاطلاع عليه في السابق محصوراً على ما ينقله الأصدقاء وما يتحاورون بشأنه في اللقاءات الأسبوعية أو عبر الملاحق والدوريات المتخصصة، وعدّ الوسائل معياراً دقيقاً لتقييم ما نقرأ، إن كان وفق نسق حواري ممنهج وصادق.