انين الصمت
مراقبة عام
عدّ أستاذ الأدب والنقد في جامعة الباحة الدكتور أحمد بن صالح السعدي، صناعة المشهد الأخير لكاتب مقروء من ضمن الحِيَل السلطوية لتبرير نهاية المبدعين، واستعرض السعدي في محاضرته (الانتقام الناعم) التي قدمها بمقهى الشريك الأدبي نماذج من الغرب والعالم العربي؛ تؤكد أن بعض السلطات السياسية والاجتماعية تحفُّ نهايات المبدعين بشيء من التراجيديا المتقاطعة مع فكرة انتقام الطبيعة، أو تحقق النبوءة، لافتاً إلى الصراع غير المُعلن بين المثقف وبين السلطات عبر التاريخ.
وأوضح السعدي في محاضرته النوعية سياق مفهوم الانتقام الناعم وذاكرته، بإرجاعه إلى مفهوم القوة الناعمة عند (جوزيف ناي)؛ الذي قامت صوره الأساسية على توظيف القوة الثقافية والقيم الإنسانية لتكون نموذجاً جاذباً للآخرين، يجعلهم يريدون ما أنت تريده عبر الإغراء وليس القهر والإرغام.
وكشف أن للمفهوم ممارسات قديمة وحديثة، هادفة إلى توضيح العلاقة بين الثقافة والسياسة وما يمكن أن تقدمه فنون القول -بوصفها قوة ناعمة- من منافع للأفراد والخطابات، ربما تتحول إلى خطر يهدد الأمن الاجتماعي والسياسي إذا جنتها خطابات عنيفة ومتوحشة؛ كون القوة الناعمة قادرة على صنع المعتقدات التي يسهل تحويلها إلى إرادة ربما لا تتفق مع الإرادات الدولية أو الوطنية، وهنا تكمن خطورتها التي ستحاول تغطيتها باستخدام أساليب فنية تضمر أهدافها وتحققها ببطء وفاعلية في الوقت ذاته.
واستعاد السعدي الآليات التي اعتمدت عليها الخطابات المؤدلجة والمسيطرة على المجتمع في فترة تاريخية ما، خصوصاً تلك التي ركزت على الكتابة التاريخية، وتحديداً (فن التراجم للأدباء والعلماء) الذين حاولوا إرساء قواعد جديدة وعقلانية في مجتمعاتهم، إلا أن الخطاب السائد لم يكن متسامحاً معهم، فحاول النيل منهم إما باتهامهم في معتقدهم ودينهم بصورة أدت إلى قتلهم أو إبعادهم، وهذه الأساليب يمكن وصفها بالصلبة، أو بالنيل منهم باللجوء إلى تشويه سمعتهم عبر سردية تجعل من نهاية حياتهم دليلاً على سوء خاتمتهم؛ لتمنح تلك الخاتمة السيئة دليلاً للجمهور على سوء نيتهم لمخالفتهم للسائد مخالفة تصل إلى حد الذنب والخطيئة التي تستحق العقاب المأساوي انتقاماً وليس تكفيراً أو تطهيراً.
وطرح السعدي مثالين لتأكيد الفكرة؛ الأول للكاتب والمسرحي اليوناني (إسخولوس)، إذ كان خطابه ناقداً للسلطة الدينية في آثينا، وألجأته بعدائها إلى الهجرة لصقلية، وتوفي هناك، غير أن الخطاب الكهنوتي لم يرضَ بهجرته، بل ذهب إلى ابتكار نهاية له تزعم أن نسراً شاهد صلعته فظن أنها صخرة فقذفها بالسلحفاة ظناً منه أنها صخرة يريد فلقها، لافتاً إلى أن القصة ليست إلا محاولة لتأكيد العدالة من المفهوم اليوناني الوثني الذي يرى أن كل مذنب يستحق العقاب، وهذا ما حل بهذا الأديب المبدع الذي كان، من وجهة نظرهم، مرتكباً لخطيئة الاختلاف مع معتقدهم، فوجب أن يكون الانتقام منه ناعماً بصنع تلك الخاتمة الساخرة.
فيما ضرب بالجاحظ مثلاً عربياً؛ بدءاً من اختلافه مع الكوفيين وأئمة الحديث وبعض الفقهاء، بسبب اعتماده على العقل باعتباره ركيزة أساسية في النظر والتحليل، ما أغضبهم فحاولوا النيل منه، عبر نعته بصفات لم تخل من عنف لفظي واضح، جاوزوه تالياً بالتفكير في أسلوب أقل حدة، فصنعوا له نهاية نالت من سيرته وعقله واهتمامه بالكتب، بأن جعلت جزاءه كما يرون من جنس عمله، فمات بالكتب التي سقطت على رأسه الذي كان يحوي عقلاً يتباهى به ويرى فيه محل النظر والتفكير.
وأوضح السعدي في محاضرته النوعية سياق مفهوم الانتقام الناعم وذاكرته، بإرجاعه إلى مفهوم القوة الناعمة عند (جوزيف ناي)؛ الذي قامت صوره الأساسية على توظيف القوة الثقافية والقيم الإنسانية لتكون نموذجاً جاذباً للآخرين، يجعلهم يريدون ما أنت تريده عبر الإغراء وليس القهر والإرغام.
وكشف أن للمفهوم ممارسات قديمة وحديثة، هادفة إلى توضيح العلاقة بين الثقافة والسياسة وما يمكن أن تقدمه فنون القول -بوصفها قوة ناعمة- من منافع للأفراد والخطابات، ربما تتحول إلى خطر يهدد الأمن الاجتماعي والسياسي إذا جنتها خطابات عنيفة ومتوحشة؛ كون القوة الناعمة قادرة على صنع المعتقدات التي يسهل تحويلها إلى إرادة ربما لا تتفق مع الإرادات الدولية أو الوطنية، وهنا تكمن خطورتها التي ستحاول تغطيتها باستخدام أساليب فنية تضمر أهدافها وتحققها ببطء وفاعلية في الوقت ذاته.
واستعاد السعدي الآليات التي اعتمدت عليها الخطابات المؤدلجة والمسيطرة على المجتمع في فترة تاريخية ما، خصوصاً تلك التي ركزت على الكتابة التاريخية، وتحديداً (فن التراجم للأدباء والعلماء) الذين حاولوا إرساء قواعد جديدة وعقلانية في مجتمعاتهم، إلا أن الخطاب السائد لم يكن متسامحاً معهم، فحاول النيل منهم إما باتهامهم في معتقدهم ودينهم بصورة أدت إلى قتلهم أو إبعادهم، وهذه الأساليب يمكن وصفها بالصلبة، أو بالنيل منهم باللجوء إلى تشويه سمعتهم عبر سردية تجعل من نهاية حياتهم دليلاً على سوء خاتمتهم؛ لتمنح تلك الخاتمة السيئة دليلاً للجمهور على سوء نيتهم لمخالفتهم للسائد مخالفة تصل إلى حد الذنب والخطيئة التي تستحق العقاب المأساوي انتقاماً وليس تكفيراً أو تطهيراً.
وطرح السعدي مثالين لتأكيد الفكرة؛ الأول للكاتب والمسرحي اليوناني (إسخولوس)، إذ كان خطابه ناقداً للسلطة الدينية في آثينا، وألجأته بعدائها إلى الهجرة لصقلية، وتوفي هناك، غير أن الخطاب الكهنوتي لم يرضَ بهجرته، بل ذهب إلى ابتكار نهاية له تزعم أن نسراً شاهد صلعته فظن أنها صخرة فقذفها بالسلحفاة ظناً منه أنها صخرة يريد فلقها، لافتاً إلى أن القصة ليست إلا محاولة لتأكيد العدالة من المفهوم اليوناني الوثني الذي يرى أن كل مذنب يستحق العقاب، وهذا ما حل بهذا الأديب المبدع الذي كان، من وجهة نظرهم، مرتكباً لخطيئة الاختلاف مع معتقدهم، فوجب أن يكون الانتقام منه ناعماً بصنع تلك الخاتمة الساخرة.
فيما ضرب بالجاحظ مثلاً عربياً؛ بدءاً من اختلافه مع الكوفيين وأئمة الحديث وبعض الفقهاء، بسبب اعتماده على العقل باعتباره ركيزة أساسية في النظر والتحليل، ما أغضبهم فحاولوا النيل منه، عبر نعته بصفات لم تخل من عنف لفظي واضح، جاوزوه تالياً بالتفكير في أسلوب أقل حدة، فصنعوا له نهاية نالت من سيرته وعقله واهتمامه بالكتب، بأن جعلت جزاءه كما يرون من جنس عمله، فمات بالكتب التي سقطت على رأسه الذي كان يحوي عقلاً يتباهى به ويرى فيه محل النظر والتفكير.