الشريف
عضو
التقوى دأب أهل الإيمان
التقوى دأب أهل الإيمان قال تعالى: } لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ { البقرة 177.
قال العلماء: هذه آية عظيمة من أمهات الأحكام لأنها تضمنت ست عشرة قاعدة، وقد اشتملت على عقيدة سليمة وعبادة صحيحة وأخلاق ومعاملات حسنة وجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته ومن يأت بكل ذلك بلا تفريق أو تعطيل فأولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.
وليس الإيمان مجرد مظاهر وحركات وأعمال خالية من الخضوع الكامل لسلطان الله، لكن المؤمن مطالب بالدخول في دين الله كافة } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ { البقرة 208، ولابد ان يوقن المؤمن وهو يؤدي كل هذه التشريعات أن الله لن يناله منها شيء سوى التقوى: } لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى.....{ الآية الحج(37)، فلابد أن يخلص النية لله ويتقن العمل لله حتى يتقبله الله.
مجالات التقوى:
وقد تضمنت الآية مجالات عدة يسلكها المؤمن لكي يكون من المتقين:
• منها الإيمان بالله وبكل أسمائه وصفاته، وما يترتب على ذلك من عدم الخوف إلا منه، وعدم الاستعانة إلا به، وعدم اللجوء إلا إليه، وعدم أخذ التشريعات إلا من كتابه وهدي نبيه، وعدم الخضوع إلا لسلطانه.
• ومنها الإيمان باليوم الآخر بما فيه من بعث ونشور وميزان وصراط وجنة ونار، وما قبل ذلك من سؤال في القبر، وما يترتب على ذلك من إعداد لهذا اليوم طلبا للجنة وخوفا من النار كما قال الأعرابي للرسول: أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال : " حولهما ندندن " .
• ومنها الإيمان بالملائكة وما يؤدونه لصالح البشر بأمر من الله من تدبير أمور الكون وإرسال الرياح والهواء وإنزال المطر والدعاء للمؤمنين وتأمينهم معهم، وتثبيتهم لهم وحضورهم مجالس الذكر وصلاتهم على المؤمنين، وأيضا تسبيحهم لله وحملهم للعرش والتسليم على أهل الجنة، وتعذيب أهل النار وكتابتهم الأعمال، ويترتب على ذلك أن نؤمن بهم ونرعى حق صحبتهم قال رسول الله: " إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم ". رواه الترمذي .
• ومنها الإيمان بالكتب السماوية، والعلم بأن القرآن هو شرع هذه الأمة ومن ثم السير على نهجه وعدم تعطيل أحكامه.
• ومنها الإيمان بالنبيين وتضحياتهم وجهادهم في سبيل نشر دعوة الله وحمل هذه الرسالة من بعدهم، وفاء لخاتم الرسل محمد .
• ومنها إيتاء المال بنفس راضية – على حبه – لكل مستحقيه إيتاء يصل إلى حد الإيثار ولو كان بهم خصاصة.
• ومنها العبادة والتذلل بين يدي الجليل سبحانه في جميع أوقات الليل والنهار، ثم احترام الكلمة والوفاء بالعهد وأداء الأمانات، ثم الصبر على كل السبل التي تؤدي لنشر هذا الدين ومنها الجهاد والثبات في ميدان القتال والدفاع عن أرض الإسلام.
هذا هو الإسلام كما أراد الله، وليس كما يتخيله بعض الناس صلاة وصياما وتعلقا بأستار الكعبة:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لوجدت أنك بالعبادة تلعـب
من كان يخضب خده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضــب
أو كان يتعب خيله في باطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعـب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
وهج السنابك والغبار الأطيب
هذا، وإذا كانت التقوى هي حصيلة هذه الأمور كلها، فإن المتدبر لآيات القرآن وخاصة التالية لهذه الآية يجد مجالات صور عديدة للتقوى:
* فعند إقامة الحدود والقصاص، فإن هذا مجال عظيم من مجالات التقوى } وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { البقرة 179
بل إن الخير الذي يعم البشرية بتطبيق حد واحد من حدود الله خير لهم من أن يمطروا أربعين خريفا، ونحن نعلم أن الماء هو عنصر الحياة } وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ { الأنبياء 30. ولكن البركة التي تتنزل بسبب تطبيق حدود الله أعم وأفضل.
• وعند العدل في الوصية وإعطاء كل ذي حق حقه كما شرع الله، فهذا أيضا مجال للتقوى } كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلَى المُتَّقِينَ { البقرة 180.
• ومدرسة الصوم في رمضان المعظم من كبريات مجالات التقوى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { البقرة 183.
• ثم يأتي جمال هذا التشريع الحكيم في أن جعل من مجالات التقوى أن يشبع الإنسان شهواته ملتزما بحدود الله، فيأكل ويشرب ويتمتع بالطيبات من الرزق ويباشر زوجته ويأخذ بذلك الأجر } تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ { البقرة 187.
هذه هي شرائع الإسلام وشعائر الله } ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ { الحج 32 .
ولم يتعظ بذلك إلا أهل التقوى } هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِين{ آل عمران 138 .
فهيا نسارع في الخيرات لنفوز بجنة عرضها السماوات والأرض } وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ { آل عمران 33 .
هكذا التقوى :
" لن يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرا لما بأس به " صدق رسول الله r { رواه الترمذي }
وكان أتقى الناس وأخشاهم لله عز وجل – النبي r - دائما يدعو " اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " { رواه مسلم }.
نموذج فريد من المتقين:
كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: " عليك بتقوى الله فإنها هي التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثاب إلا عليها، وإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل "، وكتب إلى عدي بن عدي: إن للإسلام سننا وفرائض وشرائع فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان فإن أعش أبينها لكم لتعملوا بها وإن أمت فما أنا بصحبتكم بحريص.
• دخلت عليه زوجته فاطمة يوما وهو جالس في مصلاه واضعا يده على خده ودموعه تسيل على خديه فقالت: مالك فقال: ويحك يا فاطمة ، قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت ، فتفكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود ، واليتيم المكسور ، والأرملة الوحيدة ،والمظلوم المقهور والغريب والأسير ، والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة وأن خصمي دونهم محمد r فخشيت ألا يثبت لي حجة فرحمت نفسي فبكيت .
• أعجبته جارية من جواري زوجته فسألها إياها إما بيعا أو هبة فأبت، فلما ولي الخلافة ألبستها وطيبتها وأهدتها له، فلما أخلتها به أعرض عنها، فقالت: يا سيدي فأين ما كان يظهر لي من محبتك إياي، فقال: جاءني أمر شغلني عنك وعن غيرك ثم سألها عن أصلها ومن أين جلبوها، فقالت: يا أمير المؤمنين إن أبي أصاب جناية ببلاد المغرب فصادره موسى بن نصير وأخذت في الجناية، وبعث بي إلى الوليد فوهبني الوليد إلى أخته فاطمة زوجتك، فأهدتني إليك؛ فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون كدنا والله نفتضح ونهلك ثم أمر بردها مكرمة إلى بلادها وأهلها .
• خرج ابنه الصغير يلعب مع الغلمان فشجه صبي؛ فحملوا الصبي إليه وإذا امرأة تقول: إنه ابني وإنه يتيم فقال لها: ... هوني عليك أله عطاء في الديوان، قالت: لا . قال: فاكتبوه في الذرية، فقالت فاطمة: أتفعل به هذا وقد شج ابنك؟ فعل الله به كذا وكذا ، المرة الأخرى يشج ابنك ثانية فقال : ويحك إنه يتيم وقد أفزعتموه .
• سأل زوجته فاطمة يوما أن تقرضه درهما يشتري لها به عنبا فلم يجد عندها شيء ، وقالت له : أنت أمير المؤمنين وليس في خزانتك ما تشتري به عنبا فقال : هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكال غدا في نار جهنم .
• كان له سراج خاص به وسراج خاص بأمور المسلمين، وجلس معه أحد أمرائه يوما يحدثه في أمور المسلمين، ثم قال: وكيف حالك يا أمير المؤمنين، فقام فأطفأ مصباحا وأضاء آخر، ثم قال: كنت تحدثني عن أمور المسلمين على مصباح يضاء بزيت من بيت المال، أما وقد طلبت الحديث عن نفسي فهذا مصباح يضاء بزيت من مالي الخاص.
• يقول رجاء بن حيوة: سمرت يوما مع عمر بن عبد العزيز؛ فعشي السراج فقلت: يا أمير المؤمنين ألا أنبه هذا الغلام يصلحه فقال: لا دعه ينام لا أحب أن أجمع عليه عملين فقلت: أفلا أقوم أصلحه، فقال: ليس من المروءة استخدام الضيف، ثم قام بنفسه فأصلحه وصب فيه زيتا، ثم جاء وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز وجلست وأنا عمر بن عبد العزيزt.
• قالت امرأته فاطمة: ما رأيت أحدا أكثر صلاة وصياما منه ولا أحد أشد خوفا من ربه منه كان يصلي العشاء، ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه، فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه؛ ولقد كان يكون معي في الفراش فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما العصفور في الماء، ويجلس يبكي فأطرح عليه اللحاف رحمة له وأنا أقول : يا ليت كان بيننا وبين الخلافة بعد المشرقين فوالله ما رأينا سرورا منذ دخلنا فيها .
• من تمام عدله وتقواه، يقول موسى بن أيمن الراعي كانت الأسد والغنم والوحش ترعى في خلافة عمر بين عبد العزيز في موضع واحد، وذات يوم عرض ذئب لشاة ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ما أرى الرجل الصالح إلا قد هلك ، قال : فحسبنا فوجدناه مات في هذه الليلة . رضي الله عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز
التقوى دأب أهل الإيمان قال تعالى: } لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ { البقرة 177.
قال العلماء: هذه آية عظيمة من أمهات الأحكام لأنها تضمنت ست عشرة قاعدة، وقد اشتملت على عقيدة سليمة وعبادة صحيحة وأخلاق ومعاملات حسنة وجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته ومن يأت بكل ذلك بلا تفريق أو تعطيل فأولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.
وليس الإيمان مجرد مظاهر وحركات وأعمال خالية من الخضوع الكامل لسلطان الله، لكن المؤمن مطالب بالدخول في دين الله كافة } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ { البقرة 208، ولابد ان يوقن المؤمن وهو يؤدي كل هذه التشريعات أن الله لن يناله منها شيء سوى التقوى: } لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى.....{ الآية الحج(37)، فلابد أن يخلص النية لله ويتقن العمل لله حتى يتقبله الله.
مجالات التقوى:
وقد تضمنت الآية مجالات عدة يسلكها المؤمن لكي يكون من المتقين:
• منها الإيمان بالله وبكل أسمائه وصفاته، وما يترتب على ذلك من عدم الخوف إلا منه، وعدم الاستعانة إلا به، وعدم اللجوء إلا إليه، وعدم أخذ التشريعات إلا من كتابه وهدي نبيه، وعدم الخضوع إلا لسلطانه.
• ومنها الإيمان باليوم الآخر بما فيه من بعث ونشور وميزان وصراط وجنة ونار، وما قبل ذلك من سؤال في القبر، وما يترتب على ذلك من إعداد لهذا اليوم طلبا للجنة وخوفا من النار كما قال الأعرابي للرسول: أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال : " حولهما ندندن " .
• ومنها الإيمان بالملائكة وما يؤدونه لصالح البشر بأمر من الله من تدبير أمور الكون وإرسال الرياح والهواء وإنزال المطر والدعاء للمؤمنين وتأمينهم معهم، وتثبيتهم لهم وحضورهم مجالس الذكر وصلاتهم على المؤمنين، وأيضا تسبيحهم لله وحملهم للعرش والتسليم على أهل الجنة، وتعذيب أهل النار وكتابتهم الأعمال، ويترتب على ذلك أن نؤمن بهم ونرعى حق صحبتهم قال رسول الله: " إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم ". رواه الترمذي .
• ومنها الإيمان بالكتب السماوية، والعلم بأن القرآن هو شرع هذه الأمة ومن ثم السير على نهجه وعدم تعطيل أحكامه.
• ومنها الإيمان بالنبيين وتضحياتهم وجهادهم في سبيل نشر دعوة الله وحمل هذه الرسالة من بعدهم، وفاء لخاتم الرسل محمد .
• ومنها إيتاء المال بنفس راضية – على حبه – لكل مستحقيه إيتاء يصل إلى حد الإيثار ولو كان بهم خصاصة.
• ومنها العبادة والتذلل بين يدي الجليل سبحانه في جميع أوقات الليل والنهار، ثم احترام الكلمة والوفاء بالعهد وأداء الأمانات، ثم الصبر على كل السبل التي تؤدي لنشر هذا الدين ومنها الجهاد والثبات في ميدان القتال والدفاع عن أرض الإسلام.
هذا هو الإسلام كما أراد الله، وليس كما يتخيله بعض الناس صلاة وصياما وتعلقا بأستار الكعبة:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لوجدت أنك بالعبادة تلعـب
من كان يخضب خده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضــب
أو كان يتعب خيله في باطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعـب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
وهج السنابك والغبار الأطيب
هذا، وإذا كانت التقوى هي حصيلة هذه الأمور كلها، فإن المتدبر لآيات القرآن وخاصة التالية لهذه الآية يجد مجالات صور عديدة للتقوى:
* فعند إقامة الحدود والقصاص، فإن هذا مجال عظيم من مجالات التقوى } وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { البقرة 179
بل إن الخير الذي يعم البشرية بتطبيق حد واحد من حدود الله خير لهم من أن يمطروا أربعين خريفا، ونحن نعلم أن الماء هو عنصر الحياة } وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ { الأنبياء 30. ولكن البركة التي تتنزل بسبب تطبيق حدود الله أعم وأفضل.
• وعند العدل في الوصية وإعطاء كل ذي حق حقه كما شرع الله، فهذا أيضا مجال للتقوى } كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلَى المُتَّقِينَ { البقرة 180.
• ومدرسة الصوم في رمضان المعظم من كبريات مجالات التقوى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { البقرة 183.
• ثم يأتي جمال هذا التشريع الحكيم في أن جعل من مجالات التقوى أن يشبع الإنسان شهواته ملتزما بحدود الله، فيأكل ويشرب ويتمتع بالطيبات من الرزق ويباشر زوجته ويأخذ بذلك الأجر } تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ { البقرة 187.
هذه هي شرائع الإسلام وشعائر الله } ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ { الحج 32 .
ولم يتعظ بذلك إلا أهل التقوى } هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِين{ آل عمران 138 .
فهيا نسارع في الخيرات لنفوز بجنة عرضها السماوات والأرض } وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ { آل عمران 33 .
هكذا التقوى :
" لن يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرا لما بأس به " صدق رسول الله r { رواه الترمذي }
وكان أتقى الناس وأخشاهم لله عز وجل – النبي r - دائما يدعو " اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " { رواه مسلم }.
نموذج فريد من المتقين:
كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: " عليك بتقوى الله فإنها هي التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثاب إلا عليها، وإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل "، وكتب إلى عدي بن عدي: إن للإسلام سننا وفرائض وشرائع فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان فإن أعش أبينها لكم لتعملوا بها وإن أمت فما أنا بصحبتكم بحريص.
• دخلت عليه زوجته فاطمة يوما وهو جالس في مصلاه واضعا يده على خده ودموعه تسيل على خديه فقالت: مالك فقال: ويحك يا فاطمة ، قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت ، فتفكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود ، واليتيم المكسور ، والأرملة الوحيدة ،والمظلوم المقهور والغريب والأسير ، والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة وأن خصمي دونهم محمد r فخشيت ألا يثبت لي حجة فرحمت نفسي فبكيت .
• أعجبته جارية من جواري زوجته فسألها إياها إما بيعا أو هبة فأبت، فلما ولي الخلافة ألبستها وطيبتها وأهدتها له، فلما أخلتها به أعرض عنها، فقالت: يا سيدي فأين ما كان يظهر لي من محبتك إياي، فقال: جاءني أمر شغلني عنك وعن غيرك ثم سألها عن أصلها ومن أين جلبوها، فقالت: يا أمير المؤمنين إن أبي أصاب جناية ببلاد المغرب فصادره موسى بن نصير وأخذت في الجناية، وبعث بي إلى الوليد فوهبني الوليد إلى أخته فاطمة زوجتك، فأهدتني إليك؛ فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون كدنا والله نفتضح ونهلك ثم أمر بردها مكرمة إلى بلادها وأهلها .
• خرج ابنه الصغير يلعب مع الغلمان فشجه صبي؛ فحملوا الصبي إليه وإذا امرأة تقول: إنه ابني وإنه يتيم فقال لها: ... هوني عليك أله عطاء في الديوان، قالت: لا . قال: فاكتبوه في الذرية، فقالت فاطمة: أتفعل به هذا وقد شج ابنك؟ فعل الله به كذا وكذا ، المرة الأخرى يشج ابنك ثانية فقال : ويحك إنه يتيم وقد أفزعتموه .
• سأل زوجته فاطمة يوما أن تقرضه درهما يشتري لها به عنبا فلم يجد عندها شيء ، وقالت له : أنت أمير المؤمنين وليس في خزانتك ما تشتري به عنبا فقال : هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكال غدا في نار جهنم .
• كان له سراج خاص به وسراج خاص بأمور المسلمين، وجلس معه أحد أمرائه يوما يحدثه في أمور المسلمين، ثم قال: وكيف حالك يا أمير المؤمنين، فقام فأطفأ مصباحا وأضاء آخر، ثم قال: كنت تحدثني عن أمور المسلمين على مصباح يضاء بزيت من بيت المال، أما وقد طلبت الحديث عن نفسي فهذا مصباح يضاء بزيت من مالي الخاص.
• يقول رجاء بن حيوة: سمرت يوما مع عمر بن عبد العزيز؛ فعشي السراج فقلت: يا أمير المؤمنين ألا أنبه هذا الغلام يصلحه فقال: لا دعه ينام لا أحب أن أجمع عليه عملين فقلت: أفلا أقوم أصلحه، فقال: ليس من المروءة استخدام الضيف، ثم قام بنفسه فأصلحه وصب فيه زيتا، ثم جاء وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز وجلست وأنا عمر بن عبد العزيزt.
• قالت امرأته فاطمة: ما رأيت أحدا أكثر صلاة وصياما منه ولا أحد أشد خوفا من ربه منه كان يصلي العشاء، ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه، فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه؛ ولقد كان يكون معي في الفراش فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما العصفور في الماء، ويجلس يبكي فأطرح عليه اللحاف رحمة له وأنا أقول : يا ليت كان بيننا وبين الخلافة بعد المشرقين فوالله ما رأينا سرورا منذ دخلنا فيها .
• من تمام عدله وتقواه، يقول موسى بن أيمن الراعي كانت الأسد والغنم والوحش ترعى في خلافة عمر بين عبد العزيز في موضع واحد، وذات يوم عرض ذئب لشاة ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ما أرى الرجل الصالح إلا قد هلك ، قال : فحسبنا فوجدناه مات في هذه الليلة . رضي الله عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز
