مزاجك اليوم
لعلها ، أو انها ، حقا أول النساء التي رأى وجهها مألوفا كما صوتها . وجهها محبوب كما صوتها . دقات قلبها وآهاتها ، التي يحسها دائما قريبة منه . لمساتها الناعمة ، يحبها ، وضحكتها .. وكل ما فيها . يحبه . يحبها . وجهها ، صوتها ، همسها ، أنينها ، وقبلاتها التي تضعها أينما اتفق بنهم ، على كل جسده ، مذ كان لحمة طرية . أحب طراوة لحمة ثدييها و هو يرتوي من حليبها الدافق . يملأ جوفه منه ، ومن حنانها . مذ غدى قطعة منها . أمه . يحبها ولا يزال . انه يشترك مع جميع الناس في هذا الحب . فليس من لا يجد في قلبه ولو ذرة حب لأمه .. لأجل كل قطرة حليب ، وكل دمعة ، وأنة ، و زفرة عليه .. ان هو اشتكى أو بكى ..
******** ********** *********
يركضان كالحملان أو الغزلان ، يلعبان كل ألعاب الأطفال الجميلة . في براءة و صفاء . بنت الجيران . كلما خرج من بيتهم يجدها واقفة أمام بيتهم تنتظره ، أو كأنها تنتظره . لا يدري . انما كلما خرج ليبحث عنها وجدها تنتظره . وكلما جاءت لبيتهم تبحث عنه وجدته ينتظرها ، أو يركض نحوها ، فتاة هي ، أول فتاة /امرأة صغيرة أحبها وهو صغير مثلها .. كان يكبران وتكبر معهما أحلامهما الصغيرة التي يلعبانها : السيدة وسائقها ، الأميرة و أميرها أو حارسها ، كما يريان في الرسوم المتحركة . و أحيانا بكل براءة الأطفال ؛ الأم والأب ، وأبناء وهميين يسمونهم ، يتخيلان أنهما يبحثان عنهما في الزنقة ، وأرجاء البيت ، أو ينتظران عودتهما من المدرسة ، أواللعب .. فيضحكان حين لا يجدان غيرهما .. طفلان ؛ طفل و طفلة ، تتشابك أيديهما في براءة ، وصفاء .. وكان يكبر بداخلهما حب و ود ، لكنه طفولي . لا يزال يذكر حلاوته و صفاءه ..
******** ********* **************
كانت أول من ابتدأ بالكلام . ربما افتعلته ، حين طلبت منه قلما أحمر .لكنه هو أحس أن خديه هما اللذان اعتلاهما اللون الأحمر . فمنذ انتقلت أسرته الى مدينة أكبر . التحق بمدرسة ابتدائية خاصة بالذكور . لم تكن له صديقة ولا رفيقة منذ افترقا هو وطفلته الصغيرة . ولما التحق بالمدرسة الاعدادية . وجد فيها أقساما مختلطة . كان يغلب عليه الخجل .. طلبت منه القلم الأحمر ، وهي التي كان يسترق النظر اليها كل مرة أمام القسم أو في ساحة المدرسة . لكنها جلست يومها الى جانبه . وهو . كأنه غارق في متابعة الدرس . فطلبت منه القلم الأحمر ، وهي تفتعل الحوار . دق قلبه و احمر وجهه ، ولم يعرف كيف يرد ، أو ماذا يفعل ، أو ماذا يقول ؛ فأعطاها حقيبته كلها بما فيها من أقلام ، ولم يستطع الحديث . كان ذلك أول مرة تلتقي عينيه بعينيها . وكان ما ظنه أنه أول عشق مراهق لفتاة مراهقة ؛ كما يسميه بعد سنوات . فهي التي استطاعت أن تكسر لديه حواجز الخجل من البنات . و كانت صديقة الدرس والقسم و المدرسة . وفي الثانوية كان كل الأولاد و البنات يغيرون أصدقاءهم وصديقاتهم و أصحابهم كل سنة .. لكنهما لم يفترقا الى أن فرقهما الاختصاص في الدراسة . ولم ينساها . ولا يزال يذكرها ..
*********** ********** **********
في الجامعة تزداد أحلام الشباب تكبر وتتبرعم ، وتتخذ أشكالا أكثر نضجا .
فتاة قادمة من مدينة بعيدة تحمل معها صهد الشرق وقسوة الجبل ، يميل لونها الى الحنطة ، وشعرها أسود أحرقته شمس الشرق القاسية . انخرطت في نضالات الشباب و ثورة الطلاب ككثير من أبناء منطقتها . أعجب بها لقوة شخصيتها ، ووضوحها ، ورفضها . التقى بها في المكتبة ؛ هو يبحث عن عزلة ليقرأ ويذاكر ، و هي تقتحم المكتبة مع رفاق لها ؛ لينادوا الى اضراب عام داخل الكلية . وقف ينظر اليها من دون أن يتحرك – اتجهت اليه ، وقالت له تستفز سكونه ؛ * لماذا أنت ساكت ؟ أيعجبك ما نحن فيه ؟ * اجابها دون أن يبدي حماسا أو انفعالا ؛ * و ما الذي نحن فيه ؟ أنا لا أعرف شيئا * ازداد غضبها القادم من الشرق . لكنه انطفأ أمام جليده هو و بروده ..و جلست الى جانبه . توضح وتشرح له . وهو كطفل أمام معلمته ، وهي تشعر أنها كأم أمام ولدها . فكان الذي كان .كل مرة تاتي الى المكتبة تبحث عنه . هو ساكت ينصت و يستمع اليها في استسلام ، وهي تشرح وتوضح وتحلل في حماس .. وبعد ذلك أصبح يبحث عنها في كل مظاهرة أو اعتصام في الجامعة . فأحب النضال بحبها ، وأحب السياسة لحبها .. لكنها غادرت لا يدري الى أين .. قالوا ؛ حبستها العائلة في احدى العطل ومنعوها من الدراسة ، وقالوا زوجوها ..لكنه أبدا لم ينسها .
************* ********** ************
في عمله الممل كما يسميه ، يجدهن كثيرات هن النساء اللواتي أحب . بعد سنوات ثلاث من العطالة ، استطاع أن يلتحق باحدى المؤسسات العمومية بعد احتجاجات ونضالات قاسية . . دمجوه و رفاق معه لهم زعماء في الحزب الذي فاز في البرلمان بعد مصالحات مع النظام ..
و سنوات العمل الأولى تزيد احساسه بالرجولة . يجدها معه في مكتبه غير كل الفتيات التي عرفهن . لا يسمع صوتها الا اذا طلب منها توقيع وثيقة أو ملفا من رفوفها . لها عالم خاص يحيط بها في جلال . حتى انها لا تكاد تطيل النظر اليه أو الى غيره في عينيه . جامعية مثله . لكنها غير كل اللائي رآهن . صرامة في ضبط الوقت ، وضبط العمل . كلما حاول استدراجها الى نكتة أو حوار خارج العمل ، ولو بخصوص حادث داخل المؤسسة أو في الشارع ، أو أخبار الناس ، يجد منها الاقتضاب والاختصار ، وصدود جميل لا يغضبه بقدر ما يرميه في حيرة و اعجاب .. * انها هي . هي التي تصلح رفيقة العمر وأم الأولاد ..* قال لنفسه يوما و هو يرمقها بين عدد كبير من الموظفات ، وهن يتصايحن و يضحكن بصوت مرتفع ، و يمضغن العلك في غنج ؛ أثناء حفل سنوي تقيمه الادارة للموظفين . وهي صامدة ثابثة لا تلين معهن وشامخة مثل نخلة باسقة ، بدت له و خمار عجيب كبير يتدلى على كتفيها بلون لا يكاد يذكره لصفائه و حيائه، وحياده ..
يومها أحس أنه يحبها . لكنه لم يجد كيف يعبر لها عن ذلك ، ولا كيف يخبرها . أحس ذلك كله . ولكنه كاد يصاب بشيء لا يدري ماهو ؛ لما سمع من احدى الموظفات أن زميلته في المكتب ترتب لعرسها في عطلتها السنوية التي ملأت استمارتها و وقعها المدير العام ذلك الصباح . فسأل الموظفة زميلتهم ؛ * ماذا ؟ من سيتزوجها ؟ * نظرت اليه واستغربت سؤاله وتركته . علم بعد ذلك أنها تزوجت موظفا ملتحيا معهم كان يؤم الموظفين في الصلاة في قاعة الصلاة بالمؤسسة ..
ضاعت منه . وضاع حبه لها .. لكنه لا يزال يذكرها ..
*********** ************ *************
ككل النساء الائي يلتقيهن هنا وهناك ، النساء اللواتي يجدهن مستعدات لكي يضمهن أول حضن ، و تسقطن لكل ابتسامة ، ويملن مع كل كلمة رقيقة فيها دلع واغراء . . امرأة ، جميلة وناضجة ، وعاملة ؛ تعمل في القطاع الخاص ؛ تسير الأعمال والرجال . أم لثلاثة أبناء . أصغرهم في السنة العاشرة من عمره ، و البنت الكبرى في الثانوي . يلتقيان في أحد المطاعم ، وينجذب كلاهما للآخر . هي امرأة مطلقة . وهو رجل به عطش ورغبة في الانتقام و الارتواء . جلسا عن غير قصد منهما في مكان واحد . هي منجذبة اليه ، وهو يفتعل اللباقة ، فتزداد انجذابا . وأحس أنها تقع في فخه . فاستحلى ذلك وتمادى . استدرجها وهي بها قابلية و رغبة في الاستدراج . وهو كلما نظر اليها ، رأى فيها حبا لجسد مستباح ، ورغبة ربما ليست حبا . لكنه أحبها فعلا . فكلما أحس بضيق ، أو هواجس ؛ ارتمى في حضنها ، ونسي الدنيا وما فيها .. أحبها .. وكره نفسه . ولينتقم منها ومن نفسه أحب أخرى غيرها ، و أخرى ، وأخرى .. هذه مطلقة ، وهذه أرملة ، و هذه تخون زوجها ، وهذه ، وهذه .. أحبهن جميعا ، و هو البارع في صنع الكلام والفخاخ ، ولعب دور الحبيب الذي يشتري حبهن بالهدايا و المال ، والكلام الجميل المنمق ؛ الذي يجدنه بعد حين كلاما مسموما ، وسراب .. حتى انه يذكر احداهن لما قالت له وهي في حضنه بأنها تكره كل الرجال ؛ لأنهم كلهم متشابهون ولا يؤمن جانبهم ، فقالت له بالمثل المصري** الذي يأمن الرجال كمثل الذي يأمن الماء في الغربال ** . لكنه هو بقدر ما كان يكره نفسه لتلاعبه بقلوب وعواطف و أحلام كثيرات منهن ؛ كان يحبهن جميعا . فمنها من تعاطف معها لظروفها ؛ ومنها من يحس فيها الحب والحنان والدفئ ، ومنها من تترك عملها أو أسرتها من أجله ، واكراما لحبه ، ومنها من أحب فيها جمال الجسد والأنثى ، فقط . فيجد نفسه غارقا في حب نجس لا مفر منه .
*********** ************ ************
لما قررت الوزارة فتح مكاتب لها في الصحراء ، طلب الالتحاق باحدى هذه المكاتب هروبا من حبيباته . واختارته الوزارة لرئاسة فرع باحدى المدن الكبرى في جنوب البلاد في الصحراء . العيون ؛ مدينة يطأ أرضها لأول مرة ، بل الصحراء عموما . فأحس بامتداد الوطن ، وجمال الوطن ؛ حتى في الصحراء . وجمال كل نساء الوطن ..
لما رآها لأول مرة . بل انه يقول ان جمال نساء الصحراء ليس كجمال كل نساء الوطن . دخلت مكتبه وهي تلتحف بلحافها الصحراوي المزركش ، وحذاء عار له كعب عال ، إلى درجة أنه خاف عليها من السقوط . وكانت كلما انزلق لحافها من على رأسها رفعته بيديها ، وبقيت خصلات شعر ناعم منسابة على جبينها . كحل عينيها أخاذ وشديد السواد . وعلى شفتيها أحمر شفاه داكن يميل الى البني . وحنائها رقيقة رفيعة عسلية اللون وحمراء . و أساورها تحدث صوتا أنساه ، وكل ما رأى أن يطلب منها الجلوس أو حاجتها . ظلت واقفة أمام مكتبه ، وهو يحدق فيها في ذهول غريب . ثم جلست بدلال و هي تقول له ؛ * يا خيي والله لاهي نكلس و لو ما كلت لي كلسي .. ** أفاق من سكرته حين هب عليه عبق عطرها الذي هو خليط عطور وبخور ساحرة كأنها من أعماق التاريخ . * آه . عفوا ، اسمحي لي تفضلي * ..
هو الذي أحب كل النساء . وعاشق لجمال المرأة . و غارق في حب شعر نزار قباني . ونادم على ضياع زميلته الأولى في عمله الأول . وفراق حبيبته بنت الجيران . وزميلة الدراسة الثانوية . ومناضلة الجامعة .. لم ير مثل هذا الجمال . ولم يحس بمثل هذا الانهيار الا اليوم ، أمام هذه المرأة الصحراوية البيضانية ؛- كما سيعلم فيما بعد – انها من * البيضان * ؛ النساء الفالحات الجميلات ، السيدات الأنيقات ، من الأسر الكبيرة والعائلات العريقة ؛ وهي من احدى أكبر قبائل* أيت أوسى* الكبيرة ..
انه محظوظ لأنها امرأة مطلقة حديثا . واستغرب كيف تضع كل تلك العطور و الحناء و التبرج . فعلم فيما بعد أن المطلقة محتفى بها كثيرا في الصحراء ، والغريب أن الرجال يرغبون بها أكثر من الأبكار . و مطلوب ودها أكثر . . حاول الاقتراب منها ، وربط معها خيوط الود بأعذار المعاملات التي تأتي من أجلها الى مكتبه ، التي يطيلها كل مرة كي تضطر للعودة . فكادت تثور عليه كما يثور كل سكان الصحراء الذين يرفضون بيروقراطية أهل الداخل كما يسمونهم . لكن لما ارتبطت بينهما خيوط الود ، أصبحت هي نفسها تفتعل الأسباب كي تعود وتراه . بل و تطلب منه زيارة والدها المعروف في محل تجارته ، فيما بعد .. وتم التعارف مع العائلة الصحراوية . بدأت تسأله متى سيخطو الخطوة الرسمية لخطبتها . لكن ما أن بدأ يفكر بجد في الأمر حتى جاء الأمر و القرار من الوزارة بنقله مرة أخرى الى مدينة أخرى في وسط البلاد ؛ بعيدا عن الصحراء . .
غادر الصحراء و هو يعد بالعودة ، واتخاذ القرار النهائي .. لكنه لم يعد . وغرق في تثبيث مكتبه وعمله الجديد . ولكنه لم ينس قط *البيضانية* التي يسبقها عطرها من البخور و الحناء ، كعبق الجنة والحلم ...
***************** **************** ***********
كما يقال حين يسبق القدر ، فلا مفر منه . هكذا يقول لنفسه حين وجد نفسه يعقد قرانه باحدى فتيات الحي الذي يسكن فيه . فتاة هادئة ، و جميلة . فحين ينظر اليها ، ويتساءل ؛ لماذا ، وكيف تزوجها ؛ فيجيب نفسه بداخله ؛ ربما أحب فيها هدوئها ، وربما جمالها الأنثوي البكر ؛ وربما ، أسرتها الصغيرة المحبوبة في الحي ، لسمعتها الطيبة ، و مكانة والدها بين رجال الحي ، فهو رجل حاج محافظ على صلواته و الجماعة في المسجد . صاحب تجارة متوسطة ، محبوب لدى التجار و السكان .. وهي نفسها رغم حديث معرفتهما ببعض ، منذ دخلت بيته ، رغم صغر سنها ، بدت زوجة ، و أما ، و أختا ، وحبيبة له .. لا يكاد يفكر في شيئ الا و يجده أمامه . ولا ينبس ببنت شفة حتى يجد ما يرضيه . من دون أن يطلب أو يأمر ، أو أن يبحث عن كلام الاستدراج المصطنع و المنمق ؛ الذي كله خبث وكذب .. كل هذا ، أنبت في قلبه حبا خاصا لها ، وودا ليس كمثله ود . و لأنها استطاعت أن تبعده عن السهر في المقاهي كما ألف ذلك ، ويترك كثيرا من العادات التي أصبحت جزءا من حياته اليومية مثل التدخين ، والرهان على الخيول والكلاب و مباريات الكرة .. شيئا فشيئا بدأت حياته تتحول بدون أن يبدي اعتراضا و لا مقاومة . أحبها فكان لها مطواعا ومحبا .. وقلبه لا يزال يحمل ذكريات الحب القديم ..
************* *************** *************
كغيرها من كل النساء ؛ هي المرأة ؛ ربما الوحيدة التي فرحت بأخرى ، حين أحبها زوجها ، و أعلن لها أنه يحبها ، وسيموت من أجلها ، ولو أن يتركها من أجلها هي ، كي ينالها و يعيش معها . زوجته ، هذه باركت حبه لها ، بل وشاركته حبها ، و قبلت أن أن تعيش معها في قلبه ، ومعهم ، في بيتهم ؛ و في حديثهم ، وفي كل حركاتهم . من أجلها فقط ؛ تصبر هي وتتحمل كل ما يقوله زوجها عن الأخرى . . تتحمل غيابه عن البيت النهار كله ، أو حتى الليل .. ولا تغضب . بل ، تستقبله حين يعود من عندها ، متعبا و منهوكا ، بصدر رحب ؛ تسخن له الماء ، و تدفئء له جسده ، وتمدده على سريره ليرتاح ؛ وتقول له : * لا بأس ارتح اليوم ، وعد اليها غدا . نحن جميعا نحبها ، نحن جميعا نريدها . ولم نعد نخاف منها ، ومما ستدخله علينا ، أو يؤثر ، ولو على رزقنا و قوتنا . أنت حين تحبها ، فأنا كذلك أحبها . وحتى ولداي الصغيرين هاذين ، سأعلمهما حبها ، وسأربي فيهما عشقها و الشوق اليها ؛ اذا أنت تأخرت أو تغيبت عن البيت من أجلها . لن نبكي اذا أخذتك منا . ولن نحزن . بل سنعيش نحن كذلك من أجلها حتى تفرح بنا جميعا . ويحبها كل الناس . وتدخل كل البيوت ؛ و تحقق لنا ما نريد .
أحب * الثورة * ، وأصبح يعيش من أجلها ، و أحب كل النساء اللواتي يعشن للثورة ، ويذرفن الدموع و يتبعنها بالزغاريد على الشهداء . و يتعرضن للضرب و الرفس من طرف زبانية النظام . أحب كل النساء اللواتي ماعدنا أجسادا تشتهى فقط ، ولا صورا تعشق . انما أرواحا وجنودا مجندة مع رجال باعوا اللذة والمتعة ، ونفضوا عنهم الذل والهوان من أجل الحرية والكرامة والعدل
بقلم الكاتب : محمد رضوان
almaistru
حمـ hawiـودي
******** ********** *********
يركضان كالحملان أو الغزلان ، يلعبان كل ألعاب الأطفال الجميلة . في براءة و صفاء . بنت الجيران . كلما خرج من بيتهم يجدها واقفة أمام بيتهم تنتظره ، أو كأنها تنتظره . لا يدري . انما كلما خرج ليبحث عنها وجدها تنتظره . وكلما جاءت لبيتهم تبحث عنه وجدته ينتظرها ، أو يركض نحوها ، فتاة هي ، أول فتاة /امرأة صغيرة أحبها وهو صغير مثلها .. كان يكبران وتكبر معهما أحلامهما الصغيرة التي يلعبانها : السيدة وسائقها ، الأميرة و أميرها أو حارسها ، كما يريان في الرسوم المتحركة . و أحيانا بكل براءة الأطفال ؛ الأم والأب ، وأبناء وهميين يسمونهم ، يتخيلان أنهما يبحثان عنهما في الزنقة ، وأرجاء البيت ، أو ينتظران عودتهما من المدرسة ، أواللعب .. فيضحكان حين لا يجدان غيرهما .. طفلان ؛ طفل و طفلة ، تتشابك أيديهما في براءة ، وصفاء .. وكان يكبر بداخلهما حب و ود ، لكنه طفولي . لا يزال يذكر حلاوته و صفاءه ..
******** ********* **************
كانت أول من ابتدأ بالكلام . ربما افتعلته ، حين طلبت منه قلما أحمر .لكنه هو أحس أن خديه هما اللذان اعتلاهما اللون الأحمر . فمنذ انتقلت أسرته الى مدينة أكبر . التحق بمدرسة ابتدائية خاصة بالذكور . لم تكن له صديقة ولا رفيقة منذ افترقا هو وطفلته الصغيرة . ولما التحق بالمدرسة الاعدادية . وجد فيها أقساما مختلطة . كان يغلب عليه الخجل .. طلبت منه القلم الأحمر ، وهي التي كان يسترق النظر اليها كل مرة أمام القسم أو في ساحة المدرسة . لكنها جلست يومها الى جانبه . وهو . كأنه غارق في متابعة الدرس . فطلبت منه القلم الأحمر ، وهي تفتعل الحوار . دق قلبه و احمر وجهه ، ولم يعرف كيف يرد ، أو ماذا يفعل ، أو ماذا يقول ؛ فأعطاها حقيبته كلها بما فيها من أقلام ، ولم يستطع الحديث . كان ذلك أول مرة تلتقي عينيه بعينيها . وكان ما ظنه أنه أول عشق مراهق لفتاة مراهقة ؛ كما يسميه بعد سنوات . فهي التي استطاعت أن تكسر لديه حواجز الخجل من البنات . و كانت صديقة الدرس والقسم و المدرسة . وفي الثانوية كان كل الأولاد و البنات يغيرون أصدقاءهم وصديقاتهم و أصحابهم كل سنة .. لكنهما لم يفترقا الى أن فرقهما الاختصاص في الدراسة . ولم ينساها . ولا يزال يذكرها ..
*********** ********** **********
في الجامعة تزداد أحلام الشباب تكبر وتتبرعم ، وتتخذ أشكالا أكثر نضجا .
فتاة قادمة من مدينة بعيدة تحمل معها صهد الشرق وقسوة الجبل ، يميل لونها الى الحنطة ، وشعرها أسود أحرقته شمس الشرق القاسية . انخرطت في نضالات الشباب و ثورة الطلاب ككثير من أبناء منطقتها . أعجب بها لقوة شخصيتها ، ووضوحها ، ورفضها . التقى بها في المكتبة ؛ هو يبحث عن عزلة ليقرأ ويذاكر ، و هي تقتحم المكتبة مع رفاق لها ؛ لينادوا الى اضراب عام داخل الكلية . وقف ينظر اليها من دون أن يتحرك – اتجهت اليه ، وقالت له تستفز سكونه ؛ * لماذا أنت ساكت ؟ أيعجبك ما نحن فيه ؟ * اجابها دون أن يبدي حماسا أو انفعالا ؛ * و ما الذي نحن فيه ؟ أنا لا أعرف شيئا * ازداد غضبها القادم من الشرق . لكنه انطفأ أمام جليده هو و بروده ..و جلست الى جانبه . توضح وتشرح له . وهو كطفل أمام معلمته ، وهي تشعر أنها كأم أمام ولدها . فكان الذي كان .كل مرة تاتي الى المكتبة تبحث عنه . هو ساكت ينصت و يستمع اليها في استسلام ، وهي تشرح وتوضح وتحلل في حماس .. وبعد ذلك أصبح يبحث عنها في كل مظاهرة أو اعتصام في الجامعة . فأحب النضال بحبها ، وأحب السياسة لحبها .. لكنها غادرت لا يدري الى أين .. قالوا ؛ حبستها العائلة في احدى العطل ومنعوها من الدراسة ، وقالوا زوجوها ..لكنه أبدا لم ينسها .
************* ********** ************
في عمله الممل كما يسميه ، يجدهن كثيرات هن النساء اللواتي أحب . بعد سنوات ثلاث من العطالة ، استطاع أن يلتحق باحدى المؤسسات العمومية بعد احتجاجات ونضالات قاسية . . دمجوه و رفاق معه لهم زعماء في الحزب الذي فاز في البرلمان بعد مصالحات مع النظام ..
و سنوات العمل الأولى تزيد احساسه بالرجولة . يجدها معه في مكتبه غير كل الفتيات التي عرفهن . لا يسمع صوتها الا اذا طلب منها توقيع وثيقة أو ملفا من رفوفها . لها عالم خاص يحيط بها في جلال . حتى انها لا تكاد تطيل النظر اليه أو الى غيره في عينيه . جامعية مثله . لكنها غير كل اللائي رآهن . صرامة في ضبط الوقت ، وضبط العمل . كلما حاول استدراجها الى نكتة أو حوار خارج العمل ، ولو بخصوص حادث داخل المؤسسة أو في الشارع ، أو أخبار الناس ، يجد منها الاقتضاب والاختصار ، وصدود جميل لا يغضبه بقدر ما يرميه في حيرة و اعجاب .. * انها هي . هي التي تصلح رفيقة العمر وأم الأولاد ..* قال لنفسه يوما و هو يرمقها بين عدد كبير من الموظفات ، وهن يتصايحن و يضحكن بصوت مرتفع ، و يمضغن العلك في غنج ؛ أثناء حفل سنوي تقيمه الادارة للموظفين . وهي صامدة ثابثة لا تلين معهن وشامخة مثل نخلة باسقة ، بدت له و خمار عجيب كبير يتدلى على كتفيها بلون لا يكاد يذكره لصفائه و حيائه، وحياده ..
يومها أحس أنه يحبها . لكنه لم يجد كيف يعبر لها عن ذلك ، ولا كيف يخبرها . أحس ذلك كله . ولكنه كاد يصاب بشيء لا يدري ماهو ؛ لما سمع من احدى الموظفات أن زميلته في المكتب ترتب لعرسها في عطلتها السنوية التي ملأت استمارتها و وقعها المدير العام ذلك الصباح . فسأل الموظفة زميلتهم ؛ * ماذا ؟ من سيتزوجها ؟ * نظرت اليه واستغربت سؤاله وتركته . علم بعد ذلك أنها تزوجت موظفا ملتحيا معهم كان يؤم الموظفين في الصلاة في قاعة الصلاة بالمؤسسة ..
ضاعت منه . وضاع حبه لها .. لكنه لا يزال يذكرها ..
*********** ************ *************
ككل النساء الائي يلتقيهن هنا وهناك ، النساء اللواتي يجدهن مستعدات لكي يضمهن أول حضن ، و تسقطن لكل ابتسامة ، ويملن مع كل كلمة رقيقة فيها دلع واغراء . . امرأة ، جميلة وناضجة ، وعاملة ؛ تعمل في القطاع الخاص ؛ تسير الأعمال والرجال . أم لثلاثة أبناء . أصغرهم في السنة العاشرة من عمره ، و البنت الكبرى في الثانوي . يلتقيان في أحد المطاعم ، وينجذب كلاهما للآخر . هي امرأة مطلقة . وهو رجل به عطش ورغبة في الانتقام و الارتواء . جلسا عن غير قصد منهما في مكان واحد . هي منجذبة اليه ، وهو يفتعل اللباقة ، فتزداد انجذابا . وأحس أنها تقع في فخه . فاستحلى ذلك وتمادى . استدرجها وهي بها قابلية و رغبة في الاستدراج . وهو كلما نظر اليها ، رأى فيها حبا لجسد مستباح ، ورغبة ربما ليست حبا . لكنه أحبها فعلا . فكلما أحس بضيق ، أو هواجس ؛ ارتمى في حضنها ، ونسي الدنيا وما فيها .. أحبها .. وكره نفسه . ولينتقم منها ومن نفسه أحب أخرى غيرها ، و أخرى ، وأخرى .. هذه مطلقة ، وهذه أرملة ، و هذه تخون زوجها ، وهذه ، وهذه .. أحبهن جميعا ، و هو البارع في صنع الكلام والفخاخ ، ولعب دور الحبيب الذي يشتري حبهن بالهدايا و المال ، والكلام الجميل المنمق ؛ الذي يجدنه بعد حين كلاما مسموما ، وسراب .. حتى انه يذكر احداهن لما قالت له وهي في حضنه بأنها تكره كل الرجال ؛ لأنهم كلهم متشابهون ولا يؤمن جانبهم ، فقالت له بالمثل المصري** الذي يأمن الرجال كمثل الذي يأمن الماء في الغربال ** . لكنه هو بقدر ما كان يكره نفسه لتلاعبه بقلوب وعواطف و أحلام كثيرات منهن ؛ كان يحبهن جميعا . فمنها من تعاطف معها لظروفها ؛ ومنها من يحس فيها الحب والحنان والدفئ ، ومنها من تترك عملها أو أسرتها من أجله ، واكراما لحبه ، ومنها من أحب فيها جمال الجسد والأنثى ، فقط . فيجد نفسه غارقا في حب نجس لا مفر منه .
*********** ************ ************
لما قررت الوزارة فتح مكاتب لها في الصحراء ، طلب الالتحاق باحدى هذه المكاتب هروبا من حبيباته . واختارته الوزارة لرئاسة فرع باحدى المدن الكبرى في جنوب البلاد في الصحراء . العيون ؛ مدينة يطأ أرضها لأول مرة ، بل الصحراء عموما . فأحس بامتداد الوطن ، وجمال الوطن ؛ حتى في الصحراء . وجمال كل نساء الوطن ..
لما رآها لأول مرة . بل انه يقول ان جمال نساء الصحراء ليس كجمال كل نساء الوطن . دخلت مكتبه وهي تلتحف بلحافها الصحراوي المزركش ، وحذاء عار له كعب عال ، إلى درجة أنه خاف عليها من السقوط . وكانت كلما انزلق لحافها من على رأسها رفعته بيديها ، وبقيت خصلات شعر ناعم منسابة على جبينها . كحل عينيها أخاذ وشديد السواد . وعلى شفتيها أحمر شفاه داكن يميل الى البني . وحنائها رقيقة رفيعة عسلية اللون وحمراء . و أساورها تحدث صوتا أنساه ، وكل ما رأى أن يطلب منها الجلوس أو حاجتها . ظلت واقفة أمام مكتبه ، وهو يحدق فيها في ذهول غريب . ثم جلست بدلال و هي تقول له ؛ * يا خيي والله لاهي نكلس و لو ما كلت لي كلسي .. ** أفاق من سكرته حين هب عليه عبق عطرها الذي هو خليط عطور وبخور ساحرة كأنها من أعماق التاريخ . * آه . عفوا ، اسمحي لي تفضلي * ..
هو الذي أحب كل النساء . وعاشق لجمال المرأة . و غارق في حب شعر نزار قباني . ونادم على ضياع زميلته الأولى في عمله الأول . وفراق حبيبته بنت الجيران . وزميلة الدراسة الثانوية . ومناضلة الجامعة .. لم ير مثل هذا الجمال . ولم يحس بمثل هذا الانهيار الا اليوم ، أمام هذه المرأة الصحراوية البيضانية ؛- كما سيعلم فيما بعد – انها من * البيضان * ؛ النساء الفالحات الجميلات ، السيدات الأنيقات ، من الأسر الكبيرة والعائلات العريقة ؛ وهي من احدى أكبر قبائل* أيت أوسى* الكبيرة ..
انه محظوظ لأنها امرأة مطلقة حديثا . واستغرب كيف تضع كل تلك العطور و الحناء و التبرج . فعلم فيما بعد أن المطلقة محتفى بها كثيرا في الصحراء ، والغريب أن الرجال يرغبون بها أكثر من الأبكار . و مطلوب ودها أكثر . . حاول الاقتراب منها ، وربط معها خيوط الود بأعذار المعاملات التي تأتي من أجلها الى مكتبه ، التي يطيلها كل مرة كي تضطر للعودة . فكادت تثور عليه كما يثور كل سكان الصحراء الذين يرفضون بيروقراطية أهل الداخل كما يسمونهم . لكن لما ارتبطت بينهما خيوط الود ، أصبحت هي نفسها تفتعل الأسباب كي تعود وتراه . بل و تطلب منه زيارة والدها المعروف في محل تجارته ، فيما بعد .. وتم التعارف مع العائلة الصحراوية . بدأت تسأله متى سيخطو الخطوة الرسمية لخطبتها . لكن ما أن بدأ يفكر بجد في الأمر حتى جاء الأمر و القرار من الوزارة بنقله مرة أخرى الى مدينة أخرى في وسط البلاد ؛ بعيدا عن الصحراء . .
غادر الصحراء و هو يعد بالعودة ، واتخاذ القرار النهائي .. لكنه لم يعد . وغرق في تثبيث مكتبه وعمله الجديد . ولكنه لم ينس قط *البيضانية* التي يسبقها عطرها من البخور و الحناء ، كعبق الجنة والحلم ...
***************** **************** ***********
كما يقال حين يسبق القدر ، فلا مفر منه . هكذا يقول لنفسه حين وجد نفسه يعقد قرانه باحدى فتيات الحي الذي يسكن فيه . فتاة هادئة ، و جميلة . فحين ينظر اليها ، ويتساءل ؛ لماذا ، وكيف تزوجها ؛ فيجيب نفسه بداخله ؛ ربما أحب فيها هدوئها ، وربما جمالها الأنثوي البكر ؛ وربما ، أسرتها الصغيرة المحبوبة في الحي ، لسمعتها الطيبة ، و مكانة والدها بين رجال الحي ، فهو رجل حاج محافظ على صلواته و الجماعة في المسجد . صاحب تجارة متوسطة ، محبوب لدى التجار و السكان .. وهي نفسها رغم حديث معرفتهما ببعض ، منذ دخلت بيته ، رغم صغر سنها ، بدت زوجة ، و أما ، و أختا ، وحبيبة له .. لا يكاد يفكر في شيئ الا و يجده أمامه . ولا ينبس ببنت شفة حتى يجد ما يرضيه . من دون أن يطلب أو يأمر ، أو أن يبحث عن كلام الاستدراج المصطنع و المنمق ؛ الذي كله خبث وكذب .. كل هذا ، أنبت في قلبه حبا خاصا لها ، وودا ليس كمثله ود . و لأنها استطاعت أن تبعده عن السهر في المقاهي كما ألف ذلك ، ويترك كثيرا من العادات التي أصبحت جزءا من حياته اليومية مثل التدخين ، والرهان على الخيول والكلاب و مباريات الكرة .. شيئا فشيئا بدأت حياته تتحول بدون أن يبدي اعتراضا و لا مقاومة . أحبها فكان لها مطواعا ومحبا .. وقلبه لا يزال يحمل ذكريات الحب القديم ..
************* *************** *************
كغيرها من كل النساء ؛ هي المرأة ؛ ربما الوحيدة التي فرحت بأخرى ، حين أحبها زوجها ، و أعلن لها أنه يحبها ، وسيموت من أجلها ، ولو أن يتركها من أجلها هي ، كي ينالها و يعيش معها . زوجته ، هذه باركت حبه لها ، بل وشاركته حبها ، و قبلت أن أن تعيش معها في قلبه ، ومعهم ، في بيتهم ؛ و في حديثهم ، وفي كل حركاتهم . من أجلها فقط ؛ تصبر هي وتتحمل كل ما يقوله زوجها عن الأخرى . . تتحمل غيابه عن البيت النهار كله ، أو حتى الليل .. ولا تغضب . بل ، تستقبله حين يعود من عندها ، متعبا و منهوكا ، بصدر رحب ؛ تسخن له الماء ، و تدفئء له جسده ، وتمدده على سريره ليرتاح ؛ وتقول له : * لا بأس ارتح اليوم ، وعد اليها غدا . نحن جميعا نحبها ، نحن جميعا نريدها . ولم نعد نخاف منها ، ومما ستدخله علينا ، أو يؤثر ، ولو على رزقنا و قوتنا . أنت حين تحبها ، فأنا كذلك أحبها . وحتى ولداي الصغيرين هاذين ، سأعلمهما حبها ، وسأربي فيهما عشقها و الشوق اليها ؛ اذا أنت تأخرت أو تغيبت عن البيت من أجلها . لن نبكي اذا أخذتك منا . ولن نحزن . بل سنعيش نحن كذلك من أجلها حتى تفرح بنا جميعا . ويحبها كل الناس . وتدخل كل البيوت ؛ و تحقق لنا ما نريد .
أحب * الثورة * ، وأصبح يعيش من أجلها ، و أحب كل النساء اللواتي يعشن للثورة ، ويذرفن الدموع و يتبعنها بالزغاريد على الشهداء . و يتعرضن للضرب و الرفس من طرف زبانية النظام . أحب كل النساء اللواتي ماعدنا أجسادا تشتهى فقط ، ولا صورا تعشق . انما أرواحا وجنودا مجندة مع رجال باعوا اللذة والمتعة ، ونفضوا عنهم الذل والهوان من أجل الحرية والكرامة والعدل
بقلم الكاتب : محمد رضوان
almaistru
حمـ hawiـودي