همس الحنين
بنت الجنوب
الحمد لله القائل: {وَلَنَبلُوَنكُم بِشَيء منَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ منَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثمَراتِ وَبَشرِ الصابِرِينَ (155) الذِينَ إِذَا أَصَـابَتهُم مصِيبَةٌ قَالُوا إِنا لِلهِ وَإِنـا إِلَيهِ راجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ من ربهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ}. [البقرة:155-157].
الدرس الأول: أنَّ البلاء - أخي المسلم - درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكل، يطلعك عملياً على حقيقة نفسك لتعلم أنك عبد ضعيف لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه.
الدرس الثاني: أن البلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور، وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا،في حياة لا مرض فيها ولا تعب: {وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ}. [ العنكبوت: 64].
أما هذه الدنيا فنكد وجهد وكبد: {لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ}. [البلد: 4].
فهذا شأن الدنيا فبينما هي مُقبلة إذا بها مدبرة، وبينما هي ضاحكة إذا بها عابسة. فما أسرع العبوس من ابتسامتها، و مــا أسرع القطع من وصلها، وما أسرع البلاء من نعمائها.
فهذه طبيعتها، ولكنك تنسى – أخي الحبيب – فيأتي البلاء فيذكرك بحقيقتها؛ لتستعد للآخرة، ويقول
لك:
فاعمل لدارٍ غـداً رضـوانُ خازنهـا........... الجـارُ أحمــدُ والـرحمنُ بانيـهـا
قصورها ذهبٌ والمسك تـربتــها........... والزعــفران حشيـشٌ نابتٌ فيهـا
الدرس الثالث: أنَّ البلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالعافية. فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان وأصرح برهان معنى العافية التي كنت تمتعت بها سنين طويلة، ولم تتذوق حلاوتها ولم تقدِّرها حق قدرها. وصدق من قال: "الصحة تاجٌ على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى". ومَن غير المبتلى يعرف أنَّ الدنيا كلمة ليس لها معنىً إلا العافية ؟.
الدرس الرابع: أن البلاء يذكِّرنا، فلا نفرح فرحـاً يطغينا، ولا نأسى أسىً يفنينا. فإن الله عز وجل يقول: {مَا أَصَابَ مِن مصِيبَةٍ في الأرضِ وَلاَ في أَنفُسِكُم إِلا في كِتابٍ من قَبلِ أَن نبرَأَهَا إِن ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (22) لكَيلاَ تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلاَ تَفرَحُوا بِمَا آتاكُم وَاللهُ لاَ يُحِب كُل مُختَالٍ فَخُورٍ}. [ الحديد: 22-23 ].
الدرس الخامس: أنَّ البلاء يذكرك بعيوب نفسك لتتوب منها، والله عز وجل يقول: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ }. [النساء: 79]. ويقول سبحانه: {وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ}. [الشورى: 30].
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر، فإنَّ الله تعالى يقول: {وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ}. [ السجدة: 21 ]. والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها.
الدرس السادس: أنَّ البلاء درس تربوي عملي يربينا علـى الصبر. وما أحوجنا إلى الصبر في كل شيء. فلن نستطيع الثبات على الحق إلاَّ بالصبر على طاعة الله، ولن نستطيــع البعد عن الباطل إلاَّ بالصبر عن معصية الله، ولن نستطيع السير في مناحي الحياة إلاَّ بالصبر على أقـدار الله المؤلمة. وما أجمل الصبر في ذلك كله، فهو زادنا إلى جنة الخلد والرضوان. قال سبحانه وتعالى: {وَمَا يُلَقاهَا إِلا الذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقاهَا إِلا ذُو حَظ عَظِيمٍ}. [ فصلت: 35 ].
وختاماً لهذه الدروس، أظنُّـك – أخي الحبيب – توافقني الرأي بأنَّ هذه الدروس الستة، لا يمكن أن نأخذها من غير بلاء؛ إذ هي من قبل أن نُصَاب بالبلاء لا تعدو أن تكون حبراً على ورق، أو كلاماً نظرياً يطير به الهوى، فإذا نزل بنا البلاء واجتزناه بنجاح صارت واقعاً عملياً نعيشه،وهذا من حِكَم البلاء.
والصلاة والسلام على رسول الله الذي ابتُلي بأنواع من البلاء، فصبر وشكر، وعلى آله وصحابته المبتلين الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فلا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها: فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه،
وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم.
وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زلـلُه أكبر من صوابه، ولا سيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفُجاءَتها – عياذاً بالله.
ومن هنا كانت كتابة هذه الرسالة لتسلية كل مصاب مهما بلغ مصابه، أبيِّن له من خلالها بعض حِكم البلاء العظيمة التي ربما غفل عنها بعض الناس – هداهم الله– ونسوا أو تناسوا أن الله لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا. وأن على المؤمن أن ينظر إلى البلاء– سواءً كان فقداناً للمال أو الصحة أو الأحبة- من خلال نصوص الكتاب والسنة على أنه:
--------------------------------------------------------------------------------
أولاً:
امتحان وابتلاء:
نعم امتحان وابتلاء، فنحن في قاعة امتحان كبيرة نُمْتحن فيها كل يوم تدعى الحياة، فكل ما فيهـا امتحان وابتلاء:
المال فيها امتحان، والزوجة والأولاد امتحان، والغنى والفقر امتحان، والصحة والمرض امتحان،
وكلنا ممتحن في كل ما نملك وفي كل ما يعترينا في هذه الحياة حتى نلقى الله،
قال تعالى: {كُل نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَنَبلُوكُم بِالشر وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ}. [ الأنبياء: 35 ].
وقال جل ذكره: {أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ (2) وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَـاذِبِينَ}. [ العنكبوت: 2-3 ].
فأنت أيها المعافى ممتحن،
ولكن
ما أحسست أنك في قاعة امتحان حتى ابتُليت،
وأنت أيها المريض ممتحن،
ولكن
ما أحسست أنك في قاعة امتحان حتى شُـفيت.
وليس فينا من هو أكبر من أن يمتحن. وكيف لا وفي الحديث الصحيح:
"أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل…"
[ رواه البخاري ].
كما أنه ليس فينا من يملك رفض هذا الامتحان.
ولكن
فينا من يُمتحن بالبلاء فينجح بالصبر والإيمان والاحتساب،
وفينا من يمتحن بالبلاء فيرسب بالجزع والاعتراض على الله
– عياذاً بالله.
ورحم الله الفضيل بن عياض حين قال: " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه ".
--------------------------------------------------------------------------------
ثانياً:
قسمة وقدر:
إنَّ الله تعالى قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، قال تعالى: {نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم معِيشَتَهُم في الحَياةِ الدنيَا}. [الزخرف: 32 ].
فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة،
وكل شيء في هذه الحياة مقسوم.
فارضَ بما قسم الله لك يا عبد الله، ولا تجزع للمرض، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق والثوانـي والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء، فيُمرِض من يشاء، ويعافي من يشاء، ويبتلي من يشاء {أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ}. [الأعراف: 54]. – بلى سبحانه وتعالى.
وما دام الأمر كذلكفسلِّم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك،
وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه. وهيهات هيهات.
يـــا صـــاحب الهمِّ إنَّ الهــم منـفـرجٌ
أبشِر بخيرٍ فــــــإنَّ الفــــــارج الله
اليــأس يقطـع أحيــاناً بصــاحبــــه
لا تيــأسنَّ فـــــــإنَّ الكــــافي الله
اللـه يُحدِث بعــد العســــر ميســـرة
لا تجـــزعــــنَّ فــــإن القاســم الله
إذا بُـــليـت فثِـقْ باللـه وارضَ بـــــه
إنَّ الذي يكشــــف البلـــوى هـــو الله
واللهِ ما لكَ غير الله مـن أحــــــــــدٍ
فحسبُك الله في كــــــــــــلٍ لك الله
--------------------------------------------------------------------------------
ثالثاً:
خير ونعمة بشرط:
وأياً كانت هذه القسمة وهذا الامتحان فهو خير للمؤمن وليس لأحد غيره، ولكن بشرط الشكر على النعماء، و الصبر على البلاء. وفي الحديث الصحيح: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له" [ رواه مسلم ].
وما أصدق الشاعر إذ يقول:
قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت...........ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
وأجمل من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: {فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً}. [النساء:1]
وقوله: {وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لكُم وَعَسَى أَن تُحِبوا شَيئًا وَهُوَ شَر لكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ }.
لذا فاعلم يا عبد الله أنه إنَّما ابتلاك الذي أنعم عليك، وأخذ منك الذي أغدق عليك. وليس كل ما تكرهه نفسك فهو مكروه على الحقيقة، ولا كل ما تهواه نفسك فهو نافع محبوب،
والله يعلم وأنت لا تعلم.
لئن كان بعض الصبر مُرًّا مذاقُه.............. فقد يُجتنى من بعده الثمرُ الحلوُ
يقول بعض السلف: "إذا نزلت بك مصيبة فصبرت، كانت مصيبتك واحدة. وإن نزلت بك ولـم تصبر، فقد أُصبت بمصيبتين: فقدان المحبوب، وفقدان الثواب".
ومصداق ذلك من كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِن أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدنيَا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبِينُ}. [الحج: 11 ].
كُــن في أمـورك مُعــرضاً............ وكل الأمــور إلى القَـضَا
وأبشِـر بخيرٍ عــاجـــلٍ............ تنسـى بـه ما قـد مضـى
فلـرُبَّ أمـرٍ مســخـطٍ............ لـك في عـواقبـه الرضـا
--------------------------------------------------------------------------------
رابعاً:
محطة تمحيص وتكفير:
نعم، الابتلاء محطة نتوقف فيها برهة من الزمن فإذا بأدران الذنوب والمعاصي تتحاتّ منا كما يتحات ورق الشجر؛ إذ المؤمن يُثاب على كل ضربة عرق، وصداع رأس، ووجع ضرس، وعلى الهم والغم والأذى، وعلى النَصَب والوَصَب يصيبه، بل وحتى الشوكة يشاكها. وفي الحديث: "ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ – وهما المرض والتعب – ولا همٍ ولا حزنٍ ولا غمٍ ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه" [ متفق عليه ].
فالأجر ثابت يا عبد الله، على كل ألمٍ نفسي أو حسي يشعر به المؤمن إذا صبر واحتسب.
فقد جاء في كتب السنة "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب رضي الله عنها، فقال لها: ما لكِ تزفزِفين ؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها. فقال: لا تسبي الحمى فإنها تُذهِب خطايا بني آدم كمـــا يذهب الكير خبث الحديد" [ رواه مسلم ].
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرضٍ فما سواه إلا حطَّ الله تعالى به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها" [ متفق عليه ].
فهنيئاً للصابرين المحتسبين.
--------------------------------------------------------------------------------
خامساً:
رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات:
إن البلاء يعتري المسلم فيمحو منه – بإذن الله- أدران الذنوب والمعاصي إن كان مذنباً مخطئاً - وكل ابن آدم خطَّاء كما مرَّ معك – وإن لم يكن كذلك فإن البلاء يرفع درجاته ويبوِّئه أعلى المنازل في الجنة.
وقد جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده:
"قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي ؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتـاً في الجنة وسمُّوه بيت الحمد"
[ رواه أحمد وحسنه الألباني ].
ويقول سبحانه في الحديث القدسي: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صَفِيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة"
[ رواه البخاري ].
بل ترفع درجات المؤمن حينما يُبتلى بما هــو أقل من ذلك،
ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة"
[ رواه مسلم ].
إذاً هي درجة تلو درجة ليبلِّغه الله منزلته في الجنة، والتـي يكون تبليغه إياها بفضل الله، ثم بفضل صبره على البلاء،
والله عز وجل يقول: {إنمَا يُوَفى الصـابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ}.
[ الزمر: 10].
عَطِيَّتُه إذا أعــطى ســـرورٌ............... وإن أخـــذ الذي أعطى أثابــا
فأيُّ النعـمـتين أعـمٌّ فـضلـاً............... وأحمــد في عواقبـهـا إيـابــا
أنِعمتُـه التي أهـــدت سروراً............... أم الأخرى التي أهــدت ثوابـــا
بل الأخـرى وإن نزلـت بكـرهٍ............... أحـقُّ بشكرِ مَن صـبر احتسابــا
--------------------------------------------------------------------------------
سادساً:
علامة حب ورأفة:
إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مراً إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب – ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح:
"إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء،وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط"
[ رواه الترمذي وصححه الألباني ].
يقول ابن القيم رحمه الله: "إنَّ ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة …" إلى آخر ما قال.
ولا شك – أخي الحبيب-أنَّ نزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة.
وكيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
"إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة"
[ رواه الترمذي وصححه الألباني ].
وبيَّنأهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة – عياذاً بالله.
--------------------------------------------------------------------------------
سابعاً:
دروس وذكرى:
في البلاء دروسٌ لا يمكن أن نأخذها من غيره أبداً وهي من حِكَم البلاء- ومن أهمها ما يلي:
أما بعد:
فلا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها: فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه،
وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم.
وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زلـلُه أكبر من صوابه، ولا سيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفُجاءَتها – عياذاً بالله.
ومن هنا كانت كتابة هذه الرسالة لتسلية كل مصاب مهما بلغ مصابه، أبيِّن له من خلالها بعض حِكم البلاء العظيمة التي ربما غفل عنها بعض الناس – هداهم الله– ونسوا أو تناسوا أن الله لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا. وأن على المؤمن أن ينظر إلى البلاء– سواءً كان فقداناً للمال أو الصحة أو الأحبة- من خلال نصوص الكتاب والسنة على أنه:
--------------------------------------------------------------------------------
أولاً:
امتحان وابتلاء:
نعم امتحان وابتلاء، فنحن في قاعة امتحان كبيرة نُمْتحن فيها كل يوم تدعى الحياة، فكل ما فيهـا امتحان وابتلاء:
المال فيها امتحان، والزوجة والأولاد امتحان، والغنى والفقر امتحان، والصحة والمرض امتحان،
وكلنا ممتحن في كل ما نملك وفي كل ما يعترينا في هذه الحياة حتى نلقى الله،
قال تعالى: {كُل نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَنَبلُوكُم بِالشر وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ}. [ الأنبياء: 35 ].
وقال جل ذكره: {أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ (2) وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَـاذِبِينَ}. [ العنكبوت: 2-3 ].
فأنت أيها المعافى ممتحن،
ولكن
ما أحسست أنك في قاعة امتحان حتى ابتُليت،
وأنت أيها المريض ممتحن،
ولكن
ما أحسست أنك في قاعة امتحان حتى شُـفيت.
وليس فينا من هو أكبر من أن يمتحن. وكيف لا وفي الحديث الصحيح:
"أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل…"
[ رواه البخاري ].
كما أنه ليس فينا من يملك رفض هذا الامتحان.
ولكن
فينا من يُمتحن بالبلاء فينجح بالصبر والإيمان والاحتساب،
وفينا من يمتحن بالبلاء فيرسب بالجزع والاعتراض على الله
– عياذاً بالله.
ورحم الله الفضيل بن عياض حين قال: " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه ".
--------------------------------------------------------------------------------
ثانياً:
قسمة وقدر:
إنَّ الله تعالى قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، قال تعالى: {نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم معِيشَتَهُم في الحَياةِ الدنيَا}. [الزخرف: 32 ].
فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة،
وكل شيء في هذه الحياة مقسوم.
فارضَ بما قسم الله لك يا عبد الله، ولا تجزع للمرض، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق والثوانـي والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء، فيُمرِض من يشاء، ويعافي من يشاء، ويبتلي من يشاء {أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ}. [الأعراف: 54]. – بلى سبحانه وتعالى.
وما دام الأمر كذلكفسلِّم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك،
وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه. وهيهات هيهات.
يـــا صـــاحب الهمِّ إنَّ الهــم منـفـرجٌ
أبشِر بخيرٍ فــــــإنَّ الفــــــارج الله
اليــأس يقطـع أحيــاناً بصــاحبــــه
لا تيــأسنَّ فـــــــإنَّ الكــــافي الله
اللـه يُحدِث بعــد العســــر ميســـرة
لا تجـــزعــــنَّ فــــإن القاســم الله
إذا بُـــليـت فثِـقْ باللـه وارضَ بـــــه
إنَّ الذي يكشــــف البلـــوى هـــو الله
واللهِ ما لكَ غير الله مـن أحــــــــــدٍ
فحسبُك الله في كــــــــــــلٍ لك الله
--------------------------------------------------------------------------------
ثالثاً:
خير ونعمة بشرط:
وأياً كانت هذه القسمة وهذا الامتحان فهو خير للمؤمن وليس لأحد غيره، ولكن بشرط الشكر على النعماء، و الصبر على البلاء. وفي الحديث الصحيح: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له" [ رواه مسلم ].
وما أصدق الشاعر إذ يقول:
قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت...........ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
وأجمل من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: {فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً}. [النساء:1]
وقوله: {وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لكُم وَعَسَى أَن تُحِبوا شَيئًا وَهُوَ شَر لكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ }.
لذا فاعلم يا عبد الله أنه إنَّما ابتلاك الذي أنعم عليك، وأخذ منك الذي أغدق عليك. وليس كل ما تكرهه نفسك فهو مكروه على الحقيقة، ولا كل ما تهواه نفسك فهو نافع محبوب،
والله يعلم وأنت لا تعلم.
لئن كان بعض الصبر مُرًّا مذاقُه.............. فقد يُجتنى من بعده الثمرُ الحلوُ
يقول بعض السلف: "إذا نزلت بك مصيبة فصبرت، كانت مصيبتك واحدة. وإن نزلت بك ولـم تصبر، فقد أُصبت بمصيبتين: فقدان المحبوب، وفقدان الثواب".
ومصداق ذلك من كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِن أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدنيَا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبِينُ}. [الحج: 11 ].
كُــن في أمـورك مُعــرضاً............ وكل الأمــور إلى القَـضَا
وأبشِـر بخيرٍ عــاجـــلٍ............ تنسـى بـه ما قـد مضـى
فلـرُبَّ أمـرٍ مســخـطٍ............ لـك في عـواقبـه الرضـا
--------------------------------------------------------------------------------
رابعاً:
محطة تمحيص وتكفير:
نعم، الابتلاء محطة نتوقف فيها برهة من الزمن فإذا بأدران الذنوب والمعاصي تتحاتّ منا كما يتحات ورق الشجر؛ إذ المؤمن يُثاب على كل ضربة عرق، وصداع رأس، ووجع ضرس، وعلى الهم والغم والأذى، وعلى النَصَب والوَصَب يصيبه، بل وحتى الشوكة يشاكها. وفي الحديث: "ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ – وهما المرض والتعب – ولا همٍ ولا حزنٍ ولا غمٍ ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه" [ متفق عليه ].
فالأجر ثابت يا عبد الله، على كل ألمٍ نفسي أو حسي يشعر به المؤمن إذا صبر واحتسب.
فقد جاء في كتب السنة "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب رضي الله عنها، فقال لها: ما لكِ تزفزِفين ؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها. فقال: لا تسبي الحمى فإنها تُذهِب خطايا بني آدم كمـــا يذهب الكير خبث الحديد" [ رواه مسلم ].
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرضٍ فما سواه إلا حطَّ الله تعالى به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها" [ متفق عليه ].
فهنيئاً للصابرين المحتسبين.
--------------------------------------------------------------------------------
خامساً:
رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات:
إن البلاء يعتري المسلم فيمحو منه – بإذن الله- أدران الذنوب والمعاصي إن كان مذنباً مخطئاً - وكل ابن آدم خطَّاء كما مرَّ معك – وإن لم يكن كذلك فإن البلاء يرفع درجاته ويبوِّئه أعلى المنازل في الجنة.
وقد جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده:
"قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي ؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتـاً في الجنة وسمُّوه بيت الحمد"
[ رواه أحمد وحسنه الألباني ].
ويقول سبحانه في الحديث القدسي: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صَفِيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة"
[ رواه البخاري ].
بل ترفع درجات المؤمن حينما يُبتلى بما هــو أقل من ذلك،
ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة"
[ رواه مسلم ].
إذاً هي درجة تلو درجة ليبلِّغه الله منزلته في الجنة، والتـي يكون تبليغه إياها بفضل الله، ثم بفضل صبره على البلاء،
والله عز وجل يقول: {إنمَا يُوَفى الصـابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ}.
[ الزمر: 10].
عَطِيَّتُه إذا أعــطى ســـرورٌ............... وإن أخـــذ الذي أعطى أثابــا
فأيُّ النعـمـتين أعـمٌّ فـضلـاً............... وأحمــد في عواقبـهـا إيـابــا
أنِعمتُـه التي أهـــدت سروراً............... أم الأخرى التي أهــدت ثوابـــا
بل الأخـرى وإن نزلـت بكـرهٍ............... أحـقُّ بشكرِ مَن صـبر احتسابــا
--------------------------------------------------------------------------------
سادساً:
علامة حب ورأفة:
إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مراً إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب – ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح:
"إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء،وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط"
[ رواه الترمذي وصححه الألباني ].
يقول ابن القيم رحمه الله: "إنَّ ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة …" إلى آخر ما قال.
ولا شك – أخي الحبيب-أنَّ نزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة.
وكيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
"إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة"
[ رواه الترمذي وصححه الألباني ].
وبيَّنأهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة – عياذاً بالله.
--------------------------------------------------------------------------------
سابعاً:
دروس وذكرى:
في البلاء دروسٌ لا يمكن أن نأخذها من غيره أبداً وهي من حِكَم البلاء- ومن أهمها ما يلي:
الدرس الأول: أنَّ البلاء - أخي المسلم - درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكل، يطلعك عملياً على حقيقة نفسك لتعلم أنك عبد ضعيف لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه.
الدرس الثاني: أن البلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور، وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا،في حياة لا مرض فيها ولا تعب: {وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ}. [ العنكبوت: 64].
أما هذه الدنيا فنكد وجهد وكبد: {لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ}. [البلد: 4].
فهذا شأن الدنيا فبينما هي مُقبلة إذا بها مدبرة، وبينما هي ضاحكة إذا بها عابسة. فما أسرع العبوس من ابتسامتها، و مــا أسرع القطع من وصلها، وما أسرع البلاء من نعمائها.
فهذه طبيعتها، ولكنك تنسى – أخي الحبيب – فيأتي البلاء فيذكرك بحقيقتها؛ لتستعد للآخرة، ويقول
لك:
فاعمل لدارٍ غـداً رضـوانُ خازنهـا........... الجـارُ أحمــدُ والـرحمنُ بانيـهـا
قصورها ذهبٌ والمسك تـربتــها........... والزعــفران حشيـشٌ نابتٌ فيهـا
الدرس الثالث: أنَّ البلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالعافية. فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان وأصرح برهان معنى العافية التي كنت تمتعت بها سنين طويلة، ولم تتذوق حلاوتها ولم تقدِّرها حق قدرها. وصدق من قال: "الصحة تاجٌ على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى". ومَن غير المبتلى يعرف أنَّ الدنيا كلمة ليس لها معنىً إلا العافية ؟.
الدرس الرابع: أن البلاء يذكِّرنا، فلا نفرح فرحـاً يطغينا، ولا نأسى أسىً يفنينا. فإن الله عز وجل يقول: {مَا أَصَابَ مِن مصِيبَةٍ في الأرضِ وَلاَ في أَنفُسِكُم إِلا في كِتابٍ من قَبلِ أَن نبرَأَهَا إِن ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (22) لكَيلاَ تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلاَ تَفرَحُوا بِمَا آتاكُم وَاللهُ لاَ يُحِب كُل مُختَالٍ فَخُورٍ}. [ الحديد: 22-23 ].
الدرس الخامس: أنَّ البلاء يذكرك بعيوب نفسك لتتوب منها، والله عز وجل يقول: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ }. [النساء: 79]. ويقول سبحانه: {وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ}. [الشورى: 30].
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر، فإنَّ الله تعالى يقول: {وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ}. [ السجدة: 21 ]. والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها.
الدرس السادس: أنَّ البلاء درس تربوي عملي يربينا علـى الصبر. وما أحوجنا إلى الصبر في كل شيء. فلن نستطيع الثبات على الحق إلاَّ بالصبر على طاعة الله، ولن نستطيــع البعد عن الباطل إلاَّ بالصبر عن معصية الله، ولن نستطيع السير في مناحي الحياة إلاَّ بالصبر على أقـدار الله المؤلمة. وما أجمل الصبر في ذلك كله، فهو زادنا إلى جنة الخلد والرضوان. قال سبحانه وتعالى: {وَمَا يُلَقاهَا إِلا الذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقاهَا إِلا ذُو حَظ عَظِيمٍ}. [ فصلت: 35 ].
وختاماً لهذه الدروس، أظنُّـك – أخي الحبيب – توافقني الرأي بأنَّ هذه الدروس الستة، لا يمكن أن نأخذها من غير بلاء؛ إذ هي من قبل أن نُصَاب بالبلاء لا تعدو أن تكون حبراً على ورق، أو كلاماً نظرياً يطير به الهوى، فإذا نزل بنا البلاء واجتزناه بنجاح صارت واقعاً عملياً نعيشه،وهذا من حِكَم البلاء.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: