همس الحنين
بنت الجنوب
لا يمكن لماض نحو المدينة المنورة من جهة أم الدوم، إلا ويلفت نظره وهو على الطريق ذلك التجمع البشري لمواطنين يتحلقون حول حفرة ارتوازية طولها 50 مترا، سقطت داخلها منذ تسعة أيام فتاة ثلاثينية تدعى «منيرة».
أمام ناظر المتحلقين كائن آلي ضخم استوردته مديرية الدفاع المدني لحفر بئر مجاورة للأخرى التي سقطت فيها الفتاة، حتى يتم الوصول إليها من الأسفل بثقب فجوة بين البئرين، في عملية متعسرة تشبه البحث العلمي المعقد، وقد ظلت الآلة طيلة الأيام الماضية تبعث الضجيج أمام سكينة المترقبين في المكان المؤمنين بالقضاء والقدر.
وفي ظل سهوة الناس، يندفع والد الفتاة «سعيد» نحو قائد الآلة كلما ارتفع لاقطها للأعلى ليسأله: كم من الأمتار الـ40 المحددة قطعت الآن؟، تأتيه الإجابة بأن الصخر المؤلم يعقد المسألة لكن الوضع في طريقه للحل، يعود الرجل لخيمته التي نصبها مع أبناء عمومته يكفكف دمعه قبل أن يصل إليهم فهو الرجل المعروف بالأنفة والقدر الكبير عندهم، لا يكترث بفيض دمعه على فلذة كبده «منيرة» عند خلوده مع نفسه، فهي الفتاة التي عرفها بارة به وبأمها وقد احتضناها في سني عمرها الماضية وعلماها رغم ظروف الحياة القاسية، وهي تشبه الزهرة التي سقاها زارعها وطلعت للحياة ونضجت، فأتاها القدر ليعيدها لجوف الأرض.
سحابة الرحمة التي ينتظرها «سعيد» منذ أيام لا يشترط أن تعيد ابنته للحياة، بل أن تكرمها للخروج من باطن البئر ليصحبها وفد الأقارب هناك نحو الحقيقة، حيث لا نفس بعد ذلك ولا لقاء إلا في جنات النعيم عند رب رحيم.
يستدرك والد الفتاة الذي يعمل متطوعا للأذان في مسجد حيه ويعود للحديث بعد أن يغالب دموعه قائلا: الحزن يا بني على فراق ابنتي لازمني الأيام الماضية، ونثرت من أجله ما نثرت من مشاعر الحزن، لكن وجعي الأعظم اليوم هو بقاؤها في البئر حتى الآن، لست معترضا على القضاء والقدر لأن الخاتمة كتبها المولى قبل أن ترى أبصارنا النور، إلا أن بطء عمليات الحفر وتعطل استخراجها آلمني كثيرا ووضعني تحت ضغط نفسي، وأضاف حزنا على حزن أهلها، أعلم أن المنطقه صخرية واختراقها بالمعدات تشوبه بعض الصعوبة ولكن كان بإمكان القائمين على الوضع التصرف بشكل مبكر وجلب الآليات في زمن أسرع.
وعلى الرغم من حضور قيادات الدفاع المدني في مكة المكرمة ليلة الحادثه بطائرة مروحية، إلا أن المناقشات التي تداولوها حول الحلول لإخراج الفتاة من البئر شابها بعض الارتباك، إذ لم يتخذوا قرارا بوجودها في القاع إلا بعد مرور ما يقارب الأربعة أيام، بعد أن أتى الجيولوجيون بالمغناطيس وأثبتوا لرجال الدفاع المدني وجود جسم آدمي في الداخل، ثم أعقبه جلب كلاب بوليسية مدربة من مصلحة الجمارك قطعت الشك باليقين مؤكدة حقيقة وجود جثة الفتاة، عندها اقتنع الدفاع المدني واتفق مع إحدى الشركات المتخصصة على حفر بئر أخرى موازية، يتم عبرها استخراج الفتاة، وحتى هذه الشركة استغرق حضورها وقتا، وتعطل عملها بسبب تأخر إحضار قطعة الحفر الرئيسة التي هي الأخرى استلزم تركيبها زمنا سبق بدء الحفر.
وتبلغ الفتاة منيرة من العمر 30 عاما، وهي متزوجة منذ أكثر من عامين، وحجت في آخر موسم، وأم لـ«كادي» الطفلة الصغيرة البالغة سنة وأربعة أشهر، ولديها تأهيل علمي من معهد المعلمات لممارسة مهنة التدريس، وانتظرت تعيينها منذ عشر سنوات من قبل وزارة التربية والتعليم، وعاش معها أمل تحقيق طموحها حتى أيام حياتها الأخيرة، إذ أبدت تفاؤلا لقريباتها بقرب توظيفها، وسبق أن تطوعت للعمل في لجنة التنمية الاجتماعية في مسقط رأسها «أم الدوم» لتعليم فتيات الروضة الصغيرات دون أن يضيرها ذلك المبلغ الزهيد الذي كانت تتقاضاه، لأن نظرتها كانت ثاقبة نحو المستقبل، ومازالت زميلاتها في الروضة يتذكرنها بحسرة ففقد ذات السيرة الحسنة كان موجعا لهن.
أمام ناظر المتحلقين كائن آلي ضخم استوردته مديرية الدفاع المدني لحفر بئر مجاورة للأخرى التي سقطت فيها الفتاة، حتى يتم الوصول إليها من الأسفل بثقب فجوة بين البئرين، في عملية متعسرة تشبه البحث العلمي المعقد، وقد ظلت الآلة طيلة الأيام الماضية تبعث الضجيج أمام سكينة المترقبين في المكان المؤمنين بالقضاء والقدر.
وفي ظل سهوة الناس، يندفع والد الفتاة «سعيد» نحو قائد الآلة كلما ارتفع لاقطها للأعلى ليسأله: كم من الأمتار الـ40 المحددة قطعت الآن؟، تأتيه الإجابة بأن الصخر المؤلم يعقد المسألة لكن الوضع في طريقه للحل، يعود الرجل لخيمته التي نصبها مع أبناء عمومته يكفكف دمعه قبل أن يصل إليهم فهو الرجل المعروف بالأنفة والقدر الكبير عندهم، لا يكترث بفيض دمعه على فلذة كبده «منيرة» عند خلوده مع نفسه، فهي الفتاة التي عرفها بارة به وبأمها وقد احتضناها في سني عمرها الماضية وعلماها رغم ظروف الحياة القاسية، وهي تشبه الزهرة التي سقاها زارعها وطلعت للحياة ونضجت، فأتاها القدر ليعيدها لجوف الأرض.
سحابة الرحمة التي ينتظرها «سعيد» منذ أيام لا يشترط أن تعيد ابنته للحياة، بل أن تكرمها للخروج من باطن البئر ليصحبها وفد الأقارب هناك نحو الحقيقة، حيث لا نفس بعد ذلك ولا لقاء إلا في جنات النعيم عند رب رحيم.
يستدرك والد الفتاة الذي يعمل متطوعا للأذان في مسجد حيه ويعود للحديث بعد أن يغالب دموعه قائلا: الحزن يا بني على فراق ابنتي لازمني الأيام الماضية، ونثرت من أجله ما نثرت من مشاعر الحزن، لكن وجعي الأعظم اليوم هو بقاؤها في البئر حتى الآن، لست معترضا على القضاء والقدر لأن الخاتمة كتبها المولى قبل أن ترى أبصارنا النور، إلا أن بطء عمليات الحفر وتعطل استخراجها آلمني كثيرا ووضعني تحت ضغط نفسي، وأضاف حزنا على حزن أهلها، أعلم أن المنطقه صخرية واختراقها بالمعدات تشوبه بعض الصعوبة ولكن كان بإمكان القائمين على الوضع التصرف بشكل مبكر وجلب الآليات في زمن أسرع.
وعلى الرغم من حضور قيادات الدفاع المدني في مكة المكرمة ليلة الحادثه بطائرة مروحية، إلا أن المناقشات التي تداولوها حول الحلول لإخراج الفتاة من البئر شابها بعض الارتباك، إذ لم يتخذوا قرارا بوجودها في القاع إلا بعد مرور ما يقارب الأربعة أيام، بعد أن أتى الجيولوجيون بالمغناطيس وأثبتوا لرجال الدفاع المدني وجود جسم آدمي في الداخل، ثم أعقبه جلب كلاب بوليسية مدربة من مصلحة الجمارك قطعت الشك باليقين مؤكدة حقيقة وجود جثة الفتاة، عندها اقتنع الدفاع المدني واتفق مع إحدى الشركات المتخصصة على حفر بئر أخرى موازية، يتم عبرها استخراج الفتاة، وحتى هذه الشركة استغرق حضورها وقتا، وتعطل عملها بسبب تأخر إحضار قطعة الحفر الرئيسة التي هي الأخرى استلزم تركيبها زمنا سبق بدء الحفر.
وتبلغ الفتاة منيرة من العمر 30 عاما، وهي متزوجة منذ أكثر من عامين، وحجت في آخر موسم، وأم لـ«كادي» الطفلة الصغيرة البالغة سنة وأربعة أشهر، ولديها تأهيل علمي من معهد المعلمات لممارسة مهنة التدريس، وانتظرت تعيينها منذ عشر سنوات من قبل وزارة التربية والتعليم، وعاش معها أمل تحقيق طموحها حتى أيام حياتها الأخيرة، إذ أبدت تفاؤلا لقريباتها بقرب توظيفها، وسبق أن تطوعت للعمل في لجنة التنمية الاجتماعية في مسقط رأسها «أم الدوم» لتعليم فتيات الروضة الصغيرات دون أن يضيرها ذلك المبلغ الزهيد الذي كانت تتقاضاه، لأن نظرتها كانت ثاقبة نحو المستقبل، ومازالت زميلاتها في الروضة يتذكرنها بحسرة ففقد ذات السيرة الحسنة كان موجعا لهن.